للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العبرة بعموم الحكم لا بخصوص السبب، فإذا خوطب بالحكم بعض المسلمين، فهو حكم لعامتهم، ما دامت لم توجد خصوصية ثابتة من النص نفسه، وعلى ذلك يكون الحكم عامًا وإن كان اللفظ خاصًا.

وقد ذهب الظاهرية مثلاً، إلى أن رضاعة الكبير من المرأة، إذا استوفت شروطها تعتبر رضاعة محرمة لأن الحديث قد جاء في ذلك، دون نص بالخصوصية، لأنه وإن جاء في (سَالِمٍ) إلا أن الإجماع قد انعقد على أن حكم المسلمين سواء، ولم يجيء من النصوص ما يجعل هذا الحكم خاصًا بسالم وحده (١).

مَوْقِفُ الظَّاهِرِيَّةِ مِنَ الرَّأْيِ:

هذه هي الأصول التي يعتمد عليها الظاهرية في استنباط الأحكام، أجملنا منهجهم في الاستدلال بها، ورأينا كيف أن النص هو مركز دائرتها، وقطب رحاها.

أما الاجتهاد بالرأي، فلم يكتب الظاهرية بتجنبه وإهماله، بل وقفوا منه موقف الخصم الألد، والعدو المستبد، وحملوا عليه وعلى القائلين به - وهم جمهور الفقهاء - حملة عنيفة لم تخل من التحامل والتشنيع والتقريع.

و [الأصوليون] يُعَرِّفُونَ الاجتهاد بالرأي بأنه بَذْلُ الجهد للتوصل إلى الحكم في واقعة لا نص فيها، بالتفكير واستخدام الوسائل التي هدى الشرع إليها للاستنباط فيما لا نص فيه، كالقياس والمصلحة وغيرهما.

فالاجتهاد في النص لتعيين المراد منه لا يسمى اجتهادًا بالرأي، كما أن


(١) انظر " سنن أبي داود ": ٢/ ٣٠١، وقد كان (سَالِمٌ) ابنًا لأبي حذيفة بالتبني، فلما أبطل الله التبني أصبح في دخوله على امرأة أبي حذيفة حرج، فأمرها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإرضاعه، وكان سالم كبيرًا ومتزوجًا.

<<  <   >  >>