للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاجتهاد فيما لا نص فيه بغير الوسائل المشروعة لا يسمى في الاصطلاح الأصولي اجتهادًا بالرأي (١).

وقد أثر عن الصحابة والتابعين كثير من الآثار في ذم الرأي والتحذير منه، وفي الوقت نفسه روى عنهم كثير من الآثار التي تقر الرأي، وكثير من الفتاوى والأحكام التي اعتمدوا فيها عليه، ولما كان من غير المعقول أن ينهى السلف عن شيء ثم يستعملونه، ولا أن يحرموا شيئًا على غيرهم ويحلوه لأنفسهم، ولا أن يرد التحليل والتحريم على أمر واحد في وقت واحد - كان الأمر المنهي عنه غير الأمر المباح ولا بد، ولهذا قسم العلماء الرأي إلى رأي محمود، مأخوذ عن النصوص بالحمل عليها، أو باستعمال القواعد المستمدة منها، وإلى رأي مذموم يكون مخالفًا للنصوص المحكمة، معتمدًا على مجرى الهوى.

وقد عقد ابن عبد البر بَابًا في ذم القول في دين الله بالرأي والظن والقياس على غير أصل، وبعد أن حشد الآثار الكثيرة في ذلك عقب عليه بأن العلماء اختلفوا في تحديد الرأي المقصود إليه بالذم في هذه الآثار، فقالت طائفة: إن الرأي المذموم هو البدع المخالفة للسنن في الاعتقاد، كرأي جَهْمٍ وأهل الكلام، لأنهم استعملوا قياسهم ورأيهم في رد الأحاديث، فردوا حديث الشفاعة وسؤال القبر وغيرهما.

وذهب الأكثرون إلى أن الرأي المذموم المذكور في الآثار - هو القول في أحكام شرائع الدين بالاستحسان والظنون، والاشتغال بحفظ المعضلات والأغلوطات في مسائل الفقه، ورد الفروع والنوازل بعضها على بعض قياسًا، دون ردها على أصولها، فاستعمل فيها الرأي قبل أن


(١) انظر " مصادر التشريع الإسلامي فيما لا نص فيه "، للمرحوم الأستاذ عبد الوهاب خلاف: ص ٧، ٨.

<<  <   >  >>