للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تنزل، ففي الاشتغال بهذا والاستغراق فيه تعطيل للسنن وبعث على جهلها (١).

هذا هو الرأي المحمود منه والمذموم، كما يفهمه الجمهور، فما هو مفهوم الرأي عند الظاهرية؟.

إنهم لا يقسمون الرأي هذا التقسيم، فالرأي كله سواء، وكله لا خير فيه، وكله مذموم.

ولقد عَرَّفَ ابن حزم الرأي بقوله: «الرَّأْيُ: مَا تَخَيَّلَتْهُ النَّفْسُ صَوَابًا دُونَ بُرْهَانٍ، وَلَا يَجُوزُ الحُكْمُ بِهِ أَصْلاً» (٢).

ولكنه يضطر، إزاء ما روي عن الصحابة والتابعين وغيرهم من قول بالرأي - إلى تعديل هذا التعريف بما يخفف من حدته، ويجعله أقرب إلى توضيح مفهومه عند أهل الظاهر، فيقول: «وَالرَّأْيُ هُوَ الحُكْمُ فِي الدِّينِ بِغَيْرِ نَصٍّ، بَلْ بِمَا يَرَاهُ المُفْتِي أَحْوَطَ وَأَعْدَلَ فِي التَّحْرِيمِ أَوْ التَّحْلِيلِ» (٣).

فالرأي عند الظاهرية هو الحكم بغير نص، أو بتعبير آخر: هو الحكم المستمد من غير الأصول التي ارتضاها أهل الظاهر، كالقياس، والمصلحة والاستحسان، والذرائع، وما بنيت عليه هذه الأصول من تعليل الأحكام.

ولا يجوز الحكم بالرأي، ولا يحل للعمل به لأحد من المسلمين. هذا هو حكم الظاهرية على الرأي.

ويحاول ابن حزم أن يقرر أن هذا الرأي بكل أنواعه - بدعة


(١) انظر " جامع بيان العلم وفضله ": ٢/ ١٣٣، ١٣٩، وانظر أنواع الرأي الباطل في " إعلام الموقعين ": ١/ ٧٧ وما بعدها.
(٢) " الإحكام "، لابن حزم: ١/ ٤٥.
(٣) " ملخص إبطال القياس "، لابن حزم: ص ٤.

<<  <   >  >>