للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مستحدثة، عند بيانه للتسلسل التاريخي لنشأة الرأي، فيعترف بأن الرأي قد حدث في قرن الصحابة بعد الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومع ذلك فكل من روى عنه الصحابة شيء من الرأي، فهو متبرئ [منه] غير قاطع به.

ثم حدث القياس في القرن الثاني، فقال به بعضهم وأنكره سائرهم.

ثم حدث الاستحسان في القرن الثالث، ويعرف الاستحسان بأنه «فَتْوَى المُفْتِي بِمَا يَرَاهُ حَسَنًا فَقَطْ وَذَلِكَ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ اتِّبَاعٌ لِلْهَوَى، وَقَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَالأَهْوَاءُ تَخْتَلِفُ فِي الاسْتِحْسَانِ».

ثم حدث التعليل والتقليد في القرن الرابع: والتعليل هو أن يستخرج المفتي علة الحكم الذي جاء به النص. وهذا باطل، لأنه إخبار عن الله أنه حكم بكذا من أجل تلك العلة، وإخبار عن الله بما لم يخبر به عن نفسه (١).

ويقول ابن حزم: «وَلَا يَحِلُّ الحُكْمُ بِالرَّأْيِ» (٢)، «وَلَا يَحِلُّ الحُكْمُ بِالقِيَاسِ فِي الدِّينِ، وَالقَوْلُ بِهِ بَاطِلٌ مَقْطُوعٌ عَلَى بُطْلاَنِهِ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى» (٣) «فَقَدْ صَحَّ أَنَّ القَوْلَ بِالقِيَاسِ وَالتَّعْلِيلِ بَاطِلٌ وَكَذِبٌ، وَقَوْلٌ عَلَى اللهِ تَعَالَى بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَحَرَامٌ لَا يَحِلُّ البَتَّةَ» (٤).

هذه هي نظرة أهل الظاهر للرأي، كما عبر عنها ابن حزم بأسلوبه الحاد وهذا هو حكمهم عليه. ومن قبل ابن حزم قرر داود الظاهري هذه المبادئ، واتخذ من الرأي موقف العداء، وأصدر حكمه عليه، فقال: «وَالقَوْلُ بِالقِيَاسِ لَا يَجِبُ، وَالقَوْلُ بِالاِسْتِحْسَانِ لَا يَجُوزُ»، ثم قال: «وَلَا [يَجُوزُ] أَنْ يُحَرِّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَيُحَرِّمُ مُحَرِّمٌ غَيْرَ مَا حَرَّمَ،


(١) انظر المصدر السابق: ٤ - ٦.
(٢): (٤) " النبذ " لابن حزم: ص ٤١ و ٤٤ و ٤٩.

<<  <   >  >>