للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المنسوخ، وبيان إثبات الأمر الناسخ (١).

وما قالوه من أن المراد بالتبيين هو التبليغ غير مقبول، فإن البيان أمر زائد على التبليغ قطعًا. وما جاء في القرآن من أنه ليس عليه إلا البلاغ فالحصر فيه إضافي، يراد به أنه ليس عليه هداهم، فإن الله يهدي من يشاء (٢).

وقول الشافعي: «إِذَا أَحْدَثَ اللَهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ أَمْرًا بِرَفْعِ سُنَّةٍ تَقَدَّمَتْ، أَحْدَثَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - سُنَّةً تَكُونُ نَاسِخَةً لِتِلْكَ السُّنَّةِ الأُولَى» - أنكره عليه بعض أصحابه، وقال: «لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَكَانَ النَّاسُ إِذَا عَمِلُوا بِسُنَّةٍ نَاسِخَةٍ - صَحَّ أَنْ يُنْسَبَ النَّسْخُ إِلَيْهِمْ»، وهذا خطأ، فكذلك الأمر بالنسبة للرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، المفترض عليه الانقياد لأمر ربه - عَزَّ وَجَلَّ -، فالناسخ هو الأمر الوارد له من الله، لا علمه الذي يأتي به انقيادًا لأمر الله (٣).

فإذا ادعى أن النسخ لم يقع بين القرآن والسنة، فهناك الأمثلة التي تثبت وقوعه:

[فمن أمثلة نسخ السنة بالقرآن]

وجوب التوجه إلى بيت المقدس في الصلاة، وهذا ثابت بالسنة، نسخ بقوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٤٤، ١٤٩، ١٥٠]، وَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (٤).


(١) رجعنا في موضوع نسخ القرآن بالسنة والعكس إلى " المستصفى "، للغزالي: ١/ ١٢٤؛ و" نهاية السول ": ٢/ ٣٨، ٤١؛ " فواتح الرحموت ": ٢/ ٧٨، ٨٠؛ " المعتمد في أصول الفقه "، لأبي الحسين محمد بن علي المعتزلي: ١/ ٤٢٢، ٤٣١؛ " أصول الفقه " لأستاذي الشيخ علي حسب الله: ٣٢٠، ٣٢١؛ و" الإحكام "، لابن حزم: ٤/ ١٠٧، ١١٤.
(٢) انظر التمهيد من كتاب " دراسات في السنة "، للأستاذ الدكتور مصطفى زيد.
(٣) انظر " الإحكام "، لابن حزم: ٤/ ١١٠، ١١١.
(٤) انظر " البخاري بحاشية السندي ": ١/ ٥٤، والآية هي ١٤٤ من سورة البقرة.

<<  <   >  >>