للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ:

في بداية حديثنا عن الأثر بينا أنه يشمل السنة، وأقوال السلف من الصحابة والتابعين، وبعد أن استعرضنا موقف المحدثين ومنهجهم بالنسبة إلى الحديث، ننتقل الآن لنبين موقفهم من فتاوى الصحابة والتابعين.

وقد بَيَّنَّا أيضًا في فصل سابق أهمية عصر الصحابة، ووجوب دراسة فقههم واتجاههم، لتأثيرهم العميق فيمن أتى بعدهم من العلماء. ولهذا قال مالك: «" لَا تَجُوزُ الفُتْيَا إِلَّا لِمَنْ عَلِمَ مَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ "، قِيلَ لَهُ: اخْتِلَافُ أَهْلِ الرَّأْيِ؟ فَقَالَ: " لَا، اخْتِلَافُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " ...» (١).

وقد اتجه المحدثون إلى الأخذ بأقوال الصحابة إذا اتفقوا، وإلى التخير من أقوالهم وعدم الخروج عليها إذا اختلفوا، واعتبروا أقوالهم حينئذٍ حجة تقدم على القياس.

وكان لهم في ذلك سلف من التابعين: فقد روى الأوزاعي عن سعيد بن المسيب، أنه سئل عن شيء، فقال: «اخْتَلَفَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلاَ أَرَى لِي مَعَهُمْ قَوْلاً (*)».

قال ابن وضاح - هو محمد بن وضاح، من رواة هذا الخبر -: «هَذَا هُوَ الحَقُّ». قال أبو عمر بن عبد البر: «مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِقَوْلٍ يُخَالِفُهُمْ [جَمِيعًا] بِهِ» (٢).

وروى ابن حزم بسنده «عَنْ صَالِحٍ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: " قُلْتُ لِلشَّعْبِيِّ: رَجُلٌ


(١) " مالك "، لأبي زهرة: ص ١٠٥.
(٢) " جامع بيان العلم ": ٢/ ٢٩.

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) الذي في " جامع بيان العلم وفضله " لابن عبد البر: «وَلاَ رَأَيَ لِي مَعَهُمْ». انظر " جامع بيان العلم وفضله " لابن عبد البر، تحقيق أبي الأشبال الزهيري: ١/ ٧٧٠، حديث رقم ١٤٢٣، الطبعة الأولى: ١٤١٤ هـ - ١٩٩٤ م، نشر دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية.

<<  <   >  >>