للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأئمة في مذهب من المذاهب ومن نسبها إلى أحد منهم فهو جاهل بأصولهم ومقاديرهم ومنزلتهم من الإسلام ولأن نسبتها إليهم قدح في إمامتهم، وطعن فيمن ائتم بهم.

وإذا كان أبو حنيفة وأصحابه يحكمون بكفر من يقول: «أَصْبُرُ سَاعَةً»، لمن أراد أن يسلم، ويحكمون بالكفر على من يُصَغِّرُ لَفْظَ (مَسْجِدٍ) أو (مُصْحَفٍ) - فكيف يعقل منهم أن يأمروا مسلمًا بالكفر، ويحرضوه على الردة؟ (١).

وسوف يتبين من المسائل التي أخذها البخاري على أهل الرأي على أنها من قبيل الحيل - أن بعضها ليس منها لكنه من مسائل الخلاف، وبعضها من قبيل الحيل المباحة أو مما تختلف الأنظار في إجازتها.

ولنستحضر هنا كلمة الشاطبي الصادقة المنصفة: «وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مَنْ أَجَازَ التَّحَيُّلَ فِي بَعْضِ المَسَائِلِ مُقِرٌّ بِأَنَّهُ خَالَفَ فِي ذَلِكَ قَصْدَ الشَّارِعِ، بَلْ إِنَّمَا أَجَازَهُ بِنَاءً عَلَى تَحَرِّي قَصْدِهِ، وَأَنَّ مَسْأَلَتَهُ لَاحِقَةٌ بِقِسْمِ التَّحَيُّلِ الجَائِزِ الذِي عُلِمَ قَصْدُ الشَّارِعِ إِلَيْهِ، لِأَنَّ مُصَادَمَةَ الشَّارِعِ صُرَاحًا - عِلْمًا أَوْ ظَنًّا - لَا تَصْدُرُ مِنْ عَوَامِّ المُسْلِمِينَ، فَضْلًا عَنْ أَئِمَّةِ الهُدَى وَعُلَمَاءِ الدِّينِ، نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِمْ، كَمَا أَنَّ المَانِعَ إِنَّمَا مَنَعَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِقَصْدِ الشَّارِعِ وَلِمَا وُضِعَ فِي الْأَحْكَامِ مِنَ المَصَالِحِ» (٢).

الحِيَلُ بَيْنَ البُخَارِيِّ وَأَهْلِ الرَّأْيِ:

وقد فهم بعض الشراح أن المقصود من أبواب " البخاري " في كتاب الحيل (٣) هو الاستدلال على بطلان الحيل، أو الرد على الأحناف، حتى ولو لم يصرح البخاري بالرد على (بَعْضِ النَّاسِ) في بعض هذه الأبواب.


(١) " إعلام الموقعين ": ٣/ ١٢٦، ١٤٩.
(٢) " الموافقات ": ٢/ ٢٧١، طبع مصر.
(٣) " البخاري بحاشية السندي ": ٤/ ٢٠٢، ٢٠٧.

<<  <   >  >>