للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى كل حال فإن أبا حنيفة لم ينفرد برأيه في هذه المسألة، بل معه في ذلك سعيد بن المسيب والثوري ومالك (١).

٥ - شُرْبُ أَبْوَالِ الإِبِلِ:

رَوَى أَبُو بَكْرٍ بِسَنَدِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَدِمَ نَاسٌ مِنْ عُرَيْنَةَ المَدِينَةَ فَاجْتَوَوْهَا , فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَخْرُجُوا إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَتَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا فَافْعَلُوا». ثم قال:

- «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَرِهَ شُرْبَ أَبْوَالِ الإِبِلِ».

ذكر ابن العربي أن الأئمة قد اتفقت على نجاسة البول في الجملة، واختلفوا في بول ما يؤكل لحمه: فذهب مالك في جملة من السلف إلى طهارته، وذهب أبو حنيفة والشافعي في آخرين أكثر منهم إلى [نجاسته]، وتعلقوا بعموم القول الوارد في البول والرجيع على الإطلاق، وأن شرب الأبوال للتداوي فيقدر بقدر الضرورة.

وقد ذهب أصحاب الحديث إلى طهارة بول ما يؤكل لحمه، استنادًا إلى هذا الحديث.

فأبو حنيفة فهم من الحديث أن بول الإبل لا يستعمل إلا عند الضرورة، أما إذا لم تكن ضرورة فهو على أصله من النجاسة وحرمة الاستعمال، وقد رأينا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَ الحَرِيرَ ثُمَّ رَخَّصَ فِيهِ لِبَعْضِ ذَوِي الأَعْذَارِ». وقد فهم هذا الفهم أيضًا الشافعي وكثير من السلف، كما نقلنا


= عائشة ما يفيد أن الغسل إنما لموضع الدم، أما النضح فلسائر الثوب: «كَانَتْ إِحْدَانَا تَحِيضُ، ثُمَّ تَقْرُصُ الدَّمَ مِنْ ثَوْبِهَا عِنْدَ طُهْرِهَا فَتَغْسِلُهُ، وَتَنْضَحُ عَلَى سَائِرِهِ، ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ».

(١) انظر " شرح معاني الآثار ": ١/ ٥٥، ٥٦؛ و" بداية المجتهد ": ١/ ٦٧.

<<  <   >  >>