بعد هذه الإشارة الموجزة عن أصول أهل الظاهر، نعود فنلقي نظرة على طبيعة العلاقة التي كانت تربطهم بغيرهم من المذاهب الفقهية، ورأى هذه المذاهب في الظاهرية، ورأى الظاهرية فيهم.
وإذا استعرضنا المذاهب الفقهية وقارناها بالمذهب الظاهري، فسوف نجد أن أقربها إلى هذا المذهب هو مذهب المحدثين والمذهب الحنبلي باعتبار ما قدمناه من القرابة القريبة بين المحدثين وأهل الظاهر. ثم يليها في ذلك المذهب الشافعي، باعتبار صداقته للمحدثين وقرب أصوله، ثم يأتي المذهب الحنفي والمذهب المالكي في الطرف القصي من المذهب الظاهري، ولهذا صوب ابن حزم سهام نقده وتعنيفه لهذين المذهبين، لتوسعهما في الرأي، مع كثرة أتباعهما، ولم يسلم الشافعية من هجومه أيضًا، لقولهم بالقياس، أما الحنابلة والمحدثون بعامة، فلم يتعرض لهم على الإطلاق. وهو لا يلوم أئمة المذاهب بقدر ما يعنف المقلدين لهم، أما الأئمة فهم مجتهدون، يصيبون ويخطئون، وفي الحالتين هم مثابون.
وفي ذلك يقول ابن حزم: «وَالصَّحِيحُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمَالِكًا - رَحِمَهُمَا اللهُ - اجْتَهَدَا وَكَانَا مِمَّنْ أَمَرَ بِالاِجْتِهَادِ، إِذْ كُلُّ مُسْلِمٍ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي دِينِهِ وَجَرْيًا عَلَى طَرِيقِ [مَنْ سَلَفَ] فِي تَرْكِ