للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التَّقْلِيدِ - فَأُجِرَا فِيمَا أَصَابَا فِيهِ أَجْرَيْنِ وَأَجْرًا فِيمَا أَخْطآ فِيهِ أَجْرًا وَاحِدًا وَسَلِمَا مِنَ الوِزْرِ فِي ذَلِكَ عَلَى كُلِّ حَالٍ ... فَقَلَّدَهُمَا مَنْ شَاءَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -، مِمَّنْ أَخْطَأَ وَابْتَدَعَ وَخَالَفَ أَمْرَ اللَهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَسُنَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِجْمَاعَ المُسْلِمِينَ ... وَكَذَلِكَ المُقَلِّدُونَ لِلْشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللهُ - إِلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَصَّلَ أُصُولًا، الصَّوَابُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنَ الخَطَأِ، فَالمُقَلِّدُونَ لَهُ أَعْذَرُ فِي اتِّبَاعِهِ فِيمَا أَصَابَ فِيهِ، وَهُمْ أَلْوَمُ وَأَقَلُّ عُذْرًا فِي تَقْلِيدِهِمْ إِيَّاهُ فِيمَا أَخْطَأَ فِيهِ. وَأَمَّا أَصْحَابُ الظَّاهِرِ فَهُمْ أَبْعَدُ النَّاسِ مِنَ التَّقْلِيدِ» (١).

ولا شك أن داود قد ناظر مخالفيه، منافحًا عن مذهبه ومقررًا لأصوله. وقد ذكر ابن السبكي أنه اطلع على " رسالة " داود، تدل على عظيم معرفته بالجدل، وكثرة صناعته في المناظرة وكان موضوع هذه الرسالة هو الرد على المُزَنِيِّ، وكان المُزَنِيُّ قد رد على داود إنكار القياس، ويقول ابن السبكي: «إِنَّ دَاوُدَ قَدْ شَنَّعَ فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ عَلَى المُزَنِيِّ كَثِيرًا» (٢).

ونقل ابن عبد البر عن المزني بعض كلامه في تأييد القياس، ومن ذلك قول المُزَنِيِّ: «الفُقَهَاءُ مِنْ عَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا، وَهَلُمَّ جَرًّا اسْتَعْمَلُوا المَقَايِيسَ فِي الفِقْهِ فِي جَمِيعِ الأَحْكَامِ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ، قَالَ: وَأَجْمَعُوا بِأَنَّ نَظِيرَ الحَقِّ حَقٌّ، وَنَظِيرَ البَاطِلِ بَاطِلٌ، فَلاَ يَجُوزُ لأَحَدٍ إنْكَارُ القِيَاسِ، لأَنَّهُ التَّشْبِيهُ بِالأُمُورِ وَالتَّمْثِيلُ عَلَيْهَا» (٣).

وقد قال المزني لبعض مخالفيه - ولعل هذا المخالف كان ظاهريًا أو من


(١) " الإحكام ": ٢/ ١٢٠.
(٢) انظر " طبقات الشافعية الكبرى ": ٣/ ٤٦.
(٣) " إعلام الموقعين ": ٢/ ٢٤٦.

<<  <   >  >>