للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أهل الحديث -: «" مِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، وَلِمَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ "، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: " قَدْ عَلِمْتَ يَا أَبَا إِبْرَاهِيمَ أَنَّا لَسْنَا لِمِّيَّةً "، فَقَالَ المُزَنِيُّ: " إِنْ لَمْ تَكُونُوا لِمِّيَّةً فَأَنْتُمْ إِذَنْ فِي عَمِيَّةٍ "» (١).

وقد نقلنا آنفًا أن داود أكثر من تشنيعه على المزني. والمطلع على كتب ابن حزم الظاهري، لا يخطئ ملاحظة الإكثار من تشنيعه على مخالفيه. ولعل ذلك كان نتيجة لتحالف المذاهب القائلة بالقياس، ورميها الظاهرية عن قوس واحدة. وقد كانت العلاقة بين هذه المذاهب والمذهب الظاهري متوترة دائمًا، أشبع جوها بعدم التسامح وسوء الظن، وتساقط فيه وابل من التهم والتنابز بالألقاب.

وقد اتهم الظاهرية بأنهم يشبهون الخوارج، ويجمعهما اتباع الظاهر لأن مما عيب به الخوارج - اتباعهم ظاهر القرآن على غير تدبر ولا نظر في مقاصده ومعاقده، والقطع بالحكم به بادئ الرأي والنظر. ويقول الشاطبي: «وَمِنْ هُنَا ذَمَّ بَعْضُ العُلَمَاءِ رَأْيَ دَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ، وَقَالَ: إِنَّهَا بِدْعَةٌ ظَهَرَتْ بَعْدَ المِائَتَيْنِ» (٢).

ولا يكتفي ابن العربي بما يقال من أن الظاهرية يشبهون الخوارج، بل يجعل أهل الظاهر طائفة من الخوارج وفرقة من فرقهم، وقال عنهم، إنهم «فِرْقَةٌ سَخِيفَةٌ، مُكَفِّرَةٌ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ، وَهِيَ التِي لَا تَقُولُ إِلَّا مَا قَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَتُنْكِرُ النَّظَرَ أَصْلاً، وَتَنْفِي التَّشْبِيهَ وَالتَّمْثِيلَ الذِي لَا يَعْرِفُ اللَّهَ إِلَّا بِهِ».

ثم ذكر أمرهم في الأندلس وانتشارهم هناك بتأثير ابن حزم، فقال: «وَلَكِنَّهُ أَمْرٌ اسْتَشْرَى دَاؤُهُ، وَعَزَّ عِنْدَنَا دَوَاؤُهُ، وَأَفْتَى الجَهَلَةُ بِهِ،


(١) " جامع بيان العلم ": ٢/ ١٠٧.
(٢) انظر " الموافقات "، طبعة تونس: ٤/ ٢٩.

<<  <   >  >>