للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَمَالُوا إِلَيْهِ وَغَرَّهُمْ رَجُلٌ كَانَ عِنْدَنَا، يُقَالُ لَهُ ابْنُ حَزْمٍ، انْتَدَبَ لِإِبْطَالِ النَّظَرِ، وَسَدِّ سُبُلِ العِبَرِ، وَنَسَبَ نَفْسَهُ إِلَى الظَّاهِرِ، اقْتِدَاءً بِدَاوُدَ وَأَشْيَاعِهِ فَسَوَّدَ القَرَاطِيسَ وَأَفْسَدَ النُّفُوسَ ...» (١).

لم يترك ابن حزم هذا الاتهام دون أن يرد عليه. فقد حكى قول من يخشى على الظاهرية الضلال لأخذهم بالظاهر، كما ضلت الخوارج بحملهم القرآن على ظاهره، فخطأ هذا القول، وأكد أن الخوارج لم يضلوا بذلك، بل ضلوا لتعلقهم بآيات، وتركهم غيرها مما هو في موضوعها، كما ضلوا أيضًا بتركهم بيان الذي أمره الله - عَزَّ وَجَلَّ - أن يبين للناس ما نزل إليهم، ويعني بذلك السنة. ولا يكفي بذلك بل يؤكد أن عدم الأخذ بالظاهر هو الذي يقود إلى الضلال، كما ضلت الباطنية بتركهم الظاهر (٢).

ولقد أَبَى كَثِيرٌ من العلماء أن يعترف بالقيمة العلمية للمذهب الظاهري، حتى إنهم لا يعتبرون خلافهم مؤثرًا على الإجماع إن تحقق.

وينقسم العلماء إزاء الاعتراف بالظاهرية والاعتداد بخلافهم في الفروع إلى ثلاثة أقسام:

- القسم الأول: لا يعتبر خلافهم مطلقًا، ولا يبالي بهم، وافقوا أم خالفوا، وغاية ما يمكن أن يعترف لهم به هو أنهم نقلة للحديث، لكنهم ليسوا من علماء الشريعة، ولا يبلغون درجة الاجتهاد، ولا يجوز تقليدهم القضاء، وممن يرى هذا الرأي إسماعيل القاضي، وأبو بكر الرازي


(١) " سنن الترمذي بشرح ابن العربي ": ١٠/ ١٠٨، ١١٣؛ وانظر " ابن حزم ورسالته في المفاضلة بين الصحابة ": ٥، ٦٥، ٦٦، تحقيق سعيد الأفغاني.
(٢) " الإحكام ": ٣/ ٣٩، ٤٠.

<<  <   >  >>