للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما يروى أنَّ شريكًا قال في مجلس تحديثه: «مَنْ كَانَ هَهُنَا مِنْ أَصْحَابِ يَعْقُوبَ فَأَخْرِجُوهُ»، قَالَ: «يَعْنِي أَبَا يُوسُفَ» (١).

ويحكي أبو زُرعة الرازي صورة من الصراع بين المحدثين والفقهاء، فينقل عن بعض أصحاب الحديث (*) أنه قال: «كُنْتُ بِمِصْرَ، فَرَأَيْتُ قَاضِيًا لَهُمْ فِي المَسْجِدِ الجَامِعِ، وَأَنَا مِمْرَاضٌ. فَسَمِعْتُ القَاضِيَ يَقُولُ: " مَسَاكِينُ أَصْحَابِ الحَدِيثِ لَا يُحْسِنُونَ الفِقْهَ ". فَحَبَوْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: " اخْتَلَفَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِرَاحَاتِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَأَيُّ شَيْءٍ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَيُّ شَيْءٍ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَيُّ شَيْءٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ؟ " فَأُفْحِمَ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ - بْنِ الحَسَنِ [الهِسِنْجَانِيُّ] (*) الذي يروي عنه أبو زرعة -: " فَقُلْتُ لَهُ: زَعَمْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الحَدِيثِ لَا يُحْسِنُونَ الفِقْهَ، وَأَنَا مِنْ أَخَسِّ أَصْحَابِ الحَدِيثِ، سَأَلْتُكَ عَنْ هَذِهِ فَلَمْ تُحْسِنْهَا، فَكَيْفَ تُنْكِرُ عَلَى قَوْمٍ أَنَّهُمْ لَا يُحْسِنُونَ شَيْئًا وَأَنْتَ لَا تُحْسِنُهُ؟» (٢).

فهذه صورة فيها انتصار لأهل الحديث تبين لون نشاطهم ومجال براعتهم إذ لم يفخر المناظر بدقة استنباط أو براعة تطبيق، بل بحفظ آثار ومعرفة اختلاف.

ولكن هلال الرأي في الطرف الآخر ينقل صورة تبرز مكانة الفقهاء وفضلهم على أهل الحديث باستنباطهم للمعاني الدقيقة، يَقُولُ هِلَالُ الرَّأْيِ: «كُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى غُنْدَرٍ أَكْتُبُ عَنْهُ، وَكَانَ يَسْتَثْقِلُنِي لِلْمَذْهَبِ فَأَتَيْتُهُ يَوْمًا، وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ، فَلَمَّا رَآنِي أَظْهَرَ اسْتِثْقَالًا، وَأَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِ الحَدِيثِ يُحَدِّثُهُمْ لِكَرَاهَتِهِ لِي، فَسَلَّمْتُ وَجَلَسْتُ فَقُلْتُ:" أَصْلَحَكَ اللَّهُ، حَدِيثَ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ المُرَادِيِّ: أَنْ يَهُودِيَّيْنِ نَظَرَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ


(١) انظر هذه الأخبار في " الجامع " للخطيب، لوحة ٧٥، ٧٦.
(٢) " شرف أصحاب الحديث " ورقة ٩٣ أ.

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) في الكتاب المطبوع (هُوَ أَبُو الحَسَنُ الهِجَانِيُّ) والصواب ما أثبته (الهِسِنْجَانِيُّ).
انظر " الجرح والتعديل "، لابن أبي حاتم الرازي (ت ٣٢٧هـ)، تحقيق الشيخ عبد الرحمن بن يحي المعلمي اليماني، ٥/ ٣٤، ترجمة رقم ١٥٢، طبعة سنة ١٣٧١ هـ - ١٩٥٢ م، دائرة المعارف العثمانية، تصوير دار الكتب العلمية - بيروت. وانظر أيضًا: " شرف أصحاب الحديث "، للخطيب البغدادي (ت ٤٦٣ هـ)، تحقيق الدكتور محمد سعيد خطي اوغلي، ص ٧٧، نشر دار إحياء السنة النبوية. أنقرة - تركيا.

<<  <   >  >>