للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أشرنا في بداية الفصل إلى أن هدف البخاري من كتاب الحيل هو الرد على أهل الرأي، ونقدهم في القول بإجازة الحيل، ومما يؤيد هذا أمران:

أولهما: أن الأحاديث التي ذكرها في هذا الكتاب هي أحاديث مكررة، ليس من بينها حديث واحد لم يسبق ذكره في باب مناسب له (١) وهذا يدل على أن تكرير الحديث هنا ليس له من فائدة جديدة إلا الاستدلال به على إبطال حيلة ذهب إليها أهل الرأي.

وثانيهما: أن الجملة التي عهدناها عند حكايته قول أهل الرأي، وهي: «وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ» قد تكررت في كتاب الحيل أربع عشرة مرة. وهذا العدد يزيد على المرات التي تكررت فيها في " صحيح البخاري " كله مما يبين أن مسائل الحيل كلها موضع نقاش وجدل بين البخاري والأحناف.

هذا إلى أنه قد حدد موقفه من الحيل على اختلاف أنواعها، بقوله في أول كتاب الحيل (بَابٌ [فِي تَرْكِ] الحِيَلِ ...)، فالحيل كلها باطلة في رأيه، فما الداعي إذن ليتكلم في مسائلها، إلا أن يكون ذلك للرد على من يقول بها؟

وقد رد البخاري على قول بعض الناس ثلاث مرات في الزكاة، وخمس مرات في النكاح، ومرة واحدة في الغصب، وخمس مرات في الهبة والشفعة.

وقبل عرض هذه المسائل ومناقشتها يحسن بنا أن نتعرف على حقيقة الحيل، وأنواعها، وحكم كل نوع منها، ومن القائلون بها؟

الحيلة مشتقة من التحول، فهي إذن نوع مخصوص من التصرف والعمل الذي يتحول به فاعله من حال إلى حال، ثم غلب عليها بالعرف استعمالها في سلوك الطرق الخفية التي يتوصل بها الرجل إلى حصول غرضه، بحيث


(١) وقد ذكر ذلك ابن حجر في " فتح الباري ": ج ١٢ آخر كتاب الحيل (*).

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) انظر [" فتح الباري بشرح صحيح البخاري "، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، (٩٠) كِتَابُ الحِيَلِ، ١٢/ ٣٢٦، نشر دار المعرفة - بيروت، طبعة سنة ١٣٧٩ هـ].

<<  <   >  >>