وهذه الأحاديث تشير إلى مسألتين: الصوم عن الميت، والحج عنه. ويدخلان في دائرة العبادات.
وقد قسم العلماء العبادات ثلاثة أقسام:
أ - بدنية محضة، كالصلاة والصيام والطهارة من الحدث.
ب - مالية محضة، كالزكاة.
ج - مركبة منهما كالحج والكفارات.
وقد أجازوا النيابة في العبادات المالية المحضة، وأجازها بعضهم في الحج، منهم أبو حنيفة، ومنعوها في البدنية المحضة، فانتقاد ابن أبي شيبة هنا مركز على منع أبي حنيفة الصيام عن الميت.
والصيام عن الميت مجال خلاف كبير، حكى فيه ابن العربي عدة أقوال بعد أن حكى الاتفاق على أنه لا يصلي أحد عن أحد حَيًّا: فذهب أبو حنيفة ومالك والثوري والشافعي، إلى «أَنَّهُ يُطْعِمُ عَنْهُ، إِنْ كَانَ المَيِّتُ قَادِرًا عَلَى القَضَاءِ فِي حَيَاتِهِ، نَذْرًا كَانَ الصِّيَامُ أَوْ فَرْضًا».
وقال الأوزاعي:«يَتَصَدَّقُ عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ عَنْهُ».
وقال أحمد وإسحاق:«يُصَامُ عَنْ المَيِّتِ فِي النَّذْرِ، وَيُطْعِمُ عَنْهُ فِي الفَرْضِ»، ويؤيدهم ما رواه أبو داود في ذلك عن ابن عباس.
وقال الحسن:«يَقْضِي وَلِيُّ المَيِّتِ مَا فَاتَهُ مِنْ صِيَامِهِ»، وإليه ذهب البخاري وأهل الظاهر.
وهذه المسألة فيها بحوث طويلة يخرجنا التعرض لها عما قصدناه من هذا الفصل، وهو بيان وجهات النظر في حدود خاصة.
أما سبب خلاف أبي حنيفة هنا فهو معارضة أحاديث الصيام عن الميت للأصول العامة ولقوله تعالى:{أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[النجم: ٣٨]، وقوله:{وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}[النجم: ٣٩]، ومعه في ذلك الشافعي والثوري ومالك