للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن الترمذي، مع روايته لهذا الحديث بهذا اللفظ، لم يفهم منه هذا المعنى، فلم يستدل به على جواز الماء المستعمل، بل فهم منه بقية الماء الذي استعملت المرأة بعضه في طهارتها، فاستدل به على جواز استعمال فضل طهورها، حيث ذكر أولاً (بَابٌ فِي كَرَاهِيَةِ فَضْلِ طَهُورِ المَرْأَةِ)، ثم أتبعه بقوله: (بَابُ الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ) روى فيه حديث ابن عباس «إِنَّ المَاءَ لَا يُجْنِبُ» (١).

وكذلك فعل ابن ماجه، حيث رواه بهذا اللفظ في (بَابُ الرُّخْصَةِ بِفَضْلِ وَضُوءِ المَرْأَةِ)، ثم رأى نسخ ذلك، فأتبعه بقوله: (بَابُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ) (٢).

أما النسائي فقد روى هذا الحديث بلفظ يجعل الاستدلال به مقصورًا على ما استدل له الترمذي، وهو بقية الماء الذي استعملت المرأة بعضه، لا الماء المستعمل ولذلك لم يذكر لفظ (فِي جَفْنَةٍ)، بل روى بسنده عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغْتَسَلَتْ مِنَ الجَنَابَةِ فَتَوَضَّأَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِفَضْلِهَا فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: «إِنَّ المَاءَ لَا [يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ]» (٣).

وبذلك يتبين أن أبا حنيفة لم يخالف الحديث في هذه المسألة، ولكنه رجح بعض الأحاديث المختلفة. ويلاحظ أن الذين يذهبون إلى أن الماء لا ينجسه شيء وهم أهل الظاهر والبخاري والنسائي ورواية عن مالك لا يأخذون بحديث القلتين، والذين يأخذون بحديث القلتين لا يأخذون


(١) " الترمذي ": ١/ ٨١، ٨٣.
(٢) " ابن ماجه "، بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي: ١/ ١٣٧.
(٣) " النسائي ": ١/ ١٧٣.

<<  <   >  >>