للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الظاهر - كما رأينا في كلام ابن حزم - فليست إذن مما يميزهم. لكن الذي عنيناه بأنه من المظاهر الهامة في فقههم هو أنهم يضيقون من الأدلة التي تخرج نصوص الأوامر والنواهي عن موجبها، على حين يوسع غيرهم من الفقهاء في ذلك، ويبدو هذا في الفروع، ولذلك يتبين مدى الأخذ بظاهر الأمر والنهي في الفروع، لا في أصل القاعدة (١).

ومن أمثلة الفروع التي حمل الظاهرية فيها الأمر على الوجوب، مخالفين الجمهور - وجوب الإشهاد على البيع، للأمر في قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: ٢٨٢]. ذهب إلى ذلك داود بن علي. وقد حكى وجوب الإشهاد عن بعض السلف، كأبي موسى الأشعري، وابن عمر، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وهو مذهب الطبري (٢).

وكذلك وجوب مكاتبة العبد، إذا طلب مكاتبة سيده على قيمته. وكان العبد قادرًا على الوفاء. ووجوب معاونة المكاتب بشيء من المال، امتثالاً لظاهر الأمر في قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} (٣)، وقد سبق أن ذكرنا أن بعض المحدثين مال إلى ذلك أيضًا.

ومن الأمثلة أيضًا: وجوب ترك البيع وقت النداء لصلاة الجمعة، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} (٤)، فإذا خالف أحد هذا الأمر، وباع في الوقت فبيعه باطل.


(١) انظر " ابن حزم "، لأبي زهرة: ص ٣٤٦.
(٢) انظر " أسباب الاختلاف " للخفيف: ص ١١٨، ١١٩.
(٣) [النور: ٣٣].
(٤) [الجمعة: ٩].

<<  <   >  >>