للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في ذلك العمل على وجهه، ولا طابق القصد العمل، فصار المجموع مخالفًا كما لو خولف فيهما مَعًا، فلا يحصل الامتثال.

وتكثر المعارضات في هذا من الجانبين، فكانت المسألة مشكلة جِدًّا.

ومن هنا صار فريق من المجتهدين إلى تغليب جانب القصد، فتلافوا من العبادات ما يجب تلافيه، وصححوا المعاملات. ومال فريق إلى الفساد بإطلاق وأبطلوا كل عبادة أو معاملة خالفت الشرع، ميلاً إلى جانب العمل المخالف.

وتوسط فريق، فأعملوا الطرفين على الجملة، لكن على أن يعمل مقتضى القصد في وجه، ويعمل مقتضى الفعل في وجه آخر (١).

ولهذا أثر عن بعض من غَالَى في اعتبار المقاصد - الإفتاء بوقوع طلاق من طلق في نفسه، وهو مروي عن الزهري ومالك، واحتجا بالأصل في ذلك، وهو حديث «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ».

أما أبو حنيفة، والشافعي، وأهل الحديث، وأهل الظاهر - فقد أفتوا بعدم لزوم الطلاق، لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ»، وقد أتبع البخاري هذا الحديث بقوله: قَالَ قَتَادَةُ: «إِذَا طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ».

ويرد ابن حزم على الاستدلال بحديث «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، بأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يفرد النية عن العمل، ولا العمل عن النية، ولم يوجب حُكْمًا بأحدهمها دون الآخر وَهَكَذَا نَقُولُ: «إنَّ مَنْ نَوَى الطَّلاَقَ وَلَمْ يَلْفِظْ بِهِ، أَوْ لَفَظَ بِهِ وَلَمْ يَنْوِهِ فَلَيْسَ طَلاَقٌ، إلاَّ حَتَّى يَلْفِظَ بِهِ


(١) مخلص بتصرف من " الموافقات ": ٢/ ٢٣٤، ٢٤٠.

<<  <   >  >>