والثالث: أن يكون الفعل أو الترك موافقًا، وقصده المخالفة. وهو ضربان:
[أ] أحدهما أن يقصد المخالفة. ولا يعلم بكون الفعل أو الترك موافقًا كالغاصب لما يظن أنه متاع المغصوب، فإذا هو متاع الغاصب نفسه، فمثل هذا يكون عاصيًا في مجرد القصد، غير عاص بمجرد العمل، فهو آثم من وجهة حق الله، غير آثم من جهة حق الآدمي، والقاعدة أن كل تكليف يشتمل على حق الله وحق العبد.
[ب] الضرب الثاني أن يكون الفعل أو الترك موافقًا. وهو عالم بالموافقة، ومع ذلك فقصده المخالفة، مثل المصلي رياء، وهذا الضرب أشد من سابقه، ويدخل تحته النفاق والرياء والحيل على أحكام الله تعالى، وذلك كله باطل.
أما القسم الرابع: فهو أن يكون الفعل أو الترك مخالفًا، والقصد موافقًا. فإن كان مع العلم بالمخالفة، فهذا هو الابتداع، وهو مذموم. وإن كان مع الجهل بالمخالفة فإن له وجهين، كل منهما يعارض الآخر في نفسه ويعارضه في الترجيح:
فإنه باعتبار كون القصد موافقًا، لا يكون مخالفًا بهذا الاعتبار. لأن الأعمال بالنيات، ونية هذا العمل على الموافقة. لكن الجهل أوقعه في المخالفة، ومن لا يقصد مخالفة الشارع، لا يجري مجرى المخالف بالقصد والعمل مَعًا.
والوجه الثاني: النظر إلى هذا العمل باعتباره مخالفًا، فإن قصد الشارع بالأمر والنهي، الامتثال، فإذا لم يمتثل فقد خولف قصده. ولا يعارض المخالفة موافقة الباعث على العمل، لأنه لم يحصل قصد الشارع