للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عائشة قالت: «أَلَا يُعْجِبُكَ أَبُو هُرَيْرَةَ جَاءَ [فَجَلَسَ] إِلَى جَانِبِ حُجْرَتِي، يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يُسْمِعُنِي [ذَلِكَ]، وَكُنْتُ أُسَبِّحُ، فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ سُبْحَتِي، وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ».

وكان لأبي هريرة مواعيد منظمة للدرس، فَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: «أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُومُ كُلَّ خَمِيسٍ فَيُحَدِّثُهُمْ» (١). وكان الناس يتواعدون في بعض الأماكن ليسمعوا منه الحديث، فيقضي ساعات طويلة يحدثهم (٢).

وإذا استعنا بإحصائية ابن حزم في عدد الأحاديث التي رواها كل صحابي فسوف نرى أبا هريرة في المقدمة، حيث روى [٥٣٧٤] خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثًا، يليه عبد الله بن عمر بن الخطاب [٢٦٣٠]، ثم أنس بن مالك [٢٢٨٦]، ثم عائشة [٢٢١٠]، ثم عبد الله بن عباس [١٦٦٠] (٣).

وسوف نختار هؤلاء الصحابة المكثرين من رواية الحديث - باستثناء أنس - لنبين جوانب من فقههم ونلقي الضوء على بعض اتجاهاتهم لندرك تأثيرهم.

وقبل ذلك نرى أنه من الواجب أن نشير إلى ما قررناه من أن الاشتغال برواية الحديث قد بدأ على يد أبي هريرة - بعد وفاة عمر - لا يتعارض مع ما تقدم من أن تجمع أهل الحديث كطائفة متميزة لم يوجد في عصر الصحابة والتابعين، حيث لم يتميز الحديث من الفقه، أما في القرن الثاني وما بعده حيث أفرد الحديث بالتصنيف، وأصبح الاستكثار منه ومن تعدد طرقه هو الغاية من جمعه، دون


(١) و (٢) " السنة قبل التدوين ": ص ٤٢٢.
(٣) انظر " أسماء الصحابة الرواة، وما لكل واحد من العدد "، ضمن " جوامع السيرة وخمس رسائل أخرى " لابن حزم: ص ٢٧٥ وما بعدها.

<<  <   >  >>