للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أصحاب الحديث، بل يعني أن الحنبلية غير أحمد بن حنبل، وغير أصحاب الحديث، فإن أحمد كان محدثًا سلك مسلك المحدثين وأفتى على وفقه، ولكن المطلع على كتب الحنبلية مثل " المغني " لابن قدامة يجد كثيرًا من التفريعات والمسائل الافتراضية التي لم تؤثر عن ابن حنبل، بل أثر عنه كراهيته لها وتحذيره منها، ولكن فقهاء الحنبلية أخذوا مسائل أهل الرأي. ثم حاولوا أن يجيبوا عنها على وفق أصول إمامهم، كما صنع أسد وسحنون في الفقه المالكي.

وقد عثرت على نص لابن القيم يؤيدني فيما ذهبت إليه من أن أتباع أحمد بن حنبل هم المحدثون، وليسوا الحنابلة ففي بسطه وجوه الاحتجاج على أهل التقليد، ذكر أن الطبقة الأولى من أصحاب أئمة المذاهب كانوا أتبع للأئمة من المقلدين المتأخيرن «فَأَتْبَعُ النَّاسِ لِمَالِكٍ ابْنُ وَهْبٍ وَطَبَقَتُهُ مِمَّنْ يُحَكِّمُ الحُجَّةَ وَيَنْقَادُ لِلدَّلِيلِ أَيْنَ كَانَ، وَكَذَلِكَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ أَتْبَعُ لأَبِي حَنِيفَةَ مِنْ المُقَلِّدِينَ لَهُ مَعَ كَثْرَةِ مُخَالَفَتِهِمَا لَهُ، وَكَذَلِكَ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالأَثْرَمُ وَهَذِهِ الطَّبَقَةُ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ أَتْبَعُ لَهُ مِنْ المُقَلِّدِينَ المَحْضِ المُنْتَسِبِينَ إلَيْهِ» (١).

وقد ساعدت نظرية (بروز فقه المحدثين) على توضيح التناقض المروي عن الإمام أحمد في ذمه الرأي ومدحه له، فإنها يمكن أن تلقى مزيدًا من الضوء حول الظاهرة التي اشتهر بها الفقه الحنبلي وهي كثرة الروايات المختلفة والمتعارضة أحيانًا عن الإمام أحمد في المسألة الواحدة، والتي يتأرجح بعضها من الإثبات المطلق إلى النفي المطلق، مما لا يتأتى معه إمكان الجمع بينهما.

وقد كانت هذه الظاهرة محل دراسة للعلماء، ناقشوا أسبابها، وبينوا دوافعها (٢) ولكن الذي أضيفه هنا وأود أن يؤخذ في الاعتبار عند دراسة هذه


(١) " إعلام الموقعين ". مطبوع أسفل " حادي الأرواح "، وكلاهما لابن القيم: ٢/ ٣٣١.
(٢) انظر " أسباب اختلاف الفقهاء " للأستاذ الشيخ علي الخفيف: ص ٢٨٢، ٢٨٤ =

<<  <   >  >>