للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتحريم الحمر الأهلية وكل ذي ناب من السباع، وعدم قتل المسلم بالكافر، وجواز الرهن في الحضر وغير ذلك (١).

أما الذين يقدمون الكتاب على السنة من حيث الاعتبار ومن حيث الاستنباط، ويوجبون تبعًا لذلك عرض أخبار الآحاد على الكتاب (٢) فإنهم يرون أن السنة لا تأتي بحكم ليس له في القرآن أصل، فكل ما جاءت به السنة فإن معناه راجع إلى الكتاب، لأنها بيان له. قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (٣)، فلا تجد السنة أمرًا إلا والقرآن قد دل على معناه دلالة إجمالية أو تفصيلية.

واستدلوا لمذهبهم:

[أ] بالآيات التي تدل على ذلك، من قوله تعالى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (٤)، فيلزم أن تكون السنة حاصلة فيه في الجملة، ومثله قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (٥)، وقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (٦)، وهو يريد بها إنزال القرآن. فالسنة إذن بيان لما فيه، وذلك معنى كونها راجعة إليه، وقد فسرت السيدة عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (٧) بِـ «أَنَّ خُلُقَهُ القُرْآنُ» واقتصرت في بيان خلقه على ذلك، وهذا يدل على أن قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفعله وتقريره راجع إلى القرآن، لأن الخلق محصور في هذه الأشياء.


(١) انظر " إعلام الموقعين ": ٢/ ٣٨٠ وما بعدها، حيث ذكر ابن القيم أمثلة كثيرة للأحكام التي أثبتتها السنة دون القرآن.
(٢) قدمنا أن ممن ذهب إلى ذلك الأحناف وبعض المالكية. وقد أطال الشاطبي المالكي في الانتصار لمذهب من يرى أن السنة لا تأتي إلا بما له أصل في الكتاب، والأدلة التي نذكرها هنا مقتبسة من " الموافقات " له: ج ٤ ص ٦ وما بعدها، طبع تونس، ما عدا الأحاديث، فسوف نشير إلى مصدرها.
(٣) [النحل: ٤٤].
(٤) [النحل: ٨٩].
(٥) [الأنعام: ٣٨].
(٦) [المائدة: ٣].
(٧) [القلم: ٤].

<<  <   >  >>