للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا كان كلامًا مستقلاً منفصلاً، اعتبروه نسخًا لا تخصيصًا، ولا أثر له فتبقى دلالته على الباقي بعده قطعية، وكذلك يكون الباقي قطعيًا إذا خرج منه شيء بكلام غير مستقل، لأن هذا ليس تخصيصًا عند الحنفية.

والتفريق في الكلام المستقل بين المتصل والمنفصل، واعتبار الأحناف الأول تخصيصًا، والثاني - وهو المنفصل - نسخًا، هذا التفريق مبني على قاعدة عندهم، مؤداها أن البيان يجب ألا يتأخر عن وقت الحاجة، فالشارع إذا أراد بالعام من أول الأمر بعض أفراده - قرنه بما يدل على مراده من المخصصات حتى لا يقع التجهيل الذي يتنزه الشارع الحكيم عنه، فإذا ورد العام من غير مخصص دل على أن الشارع يريد جميع أفراده ابتداء، فإذا جاء بعد ذلك نص يخرج من العام بعض ما كان داخلاً فيه - كان ناسخًا، لا مخصصًا. فالخارج من العام بالتخصيص لم يدخل فيه ابتداء، والخارج منه بالنسخ دخل فيه ابتداءً (١).

ولأن العام عند الأحناف حجة قطعية، اشترطوا أن يكون الخاص المخرج بعض أفراد العام قطعيًا مثله، سواءً أكان متصلاً أم منفصلاً، لأنه إذا كان متصلاً كان تخصيصًا، والقطعي لا يخصص إلا بمثله. وإذا كان منفصلاً كان نسخًا والقطعي لا ينسخه إلا قطعي مثله.

ومن هنا منعوا أن يخصص عام الكتاب بخبر الآحاد، لأن أخبار الآحاد ظنية فلا تصلح لتخصيص القطعي ولا لنسخه، إلا إذا خصص العام قبل ذلك بقطعي مثله، فإن دلالته على الباقي حينئذٍ تصبح ظنية، يمكن بأخبار الآحاد تخصيصها لتساويهما في الظنية: العام المخصص ظني الدلالة وخبر الآحاد ظني الثبوت.


(١) انظر " أصول التشريع "، للأستاذ علي حسب الله: ص ٢٠٩ وما بعدها. الطبعة الثالثة.

<<  <   >  >>