للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنما هو بسبب نسخها أو ترجيح غيرها من الأخبار عليها (١).

وتجدر الإشارة إلى أن الآمدي «قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا تَعُمُّ بِهِ البَلْوَى، ومَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ إِذَا نَقَلَهُ وَاحِدٌ، فَرَدَّ الثَّانِي، وَلَمْ يُوَافِقْ الأَحْنَافَ عَلَى رَدِّهِمْ لِلْأَوَّلِ، وَمَثَّلَ لِلْثَّانِي بِمَا إِذَا أَخْبَرَ إِنْسَانٌ بِأَنَّ الخَلِيفَةَ قَدْ قُتِلَ وَسَطَ الجَامِعِ يَوْمَ الجُمُعَةِ بِمَشْهَدٍ مِنَ الخَلْقِ، وَلَمْ يُخْبِرْ بِذَلِكَ سِوَى وَاحِدٌ» (٢).

[د] أما الحديث الذي يقرر حكمًا اختلف فيه الصحابة، ولم يؤثر عن أحد منهم أنه احتج به مع حاجتهم إليه - فإن هذا الحديث حينئذٍ غير مقبول، لأنه لو كان موجودًا في عصر الصحابة لردوه، ولم يشتغلوا عنه بما ليس بحجة، وهم غير متهمين بالكتمان حتى يتفقوا على كتمانه وعدم الاحتجاج به. فإذا ظهر منهم الاختلاف في الحكم، وجرت المحاجة بينهم بالرأي - والرأي ليس بحجة مع ثبوت الخبر - دَلَّ ذلك على أن هذا الخبر غير صحيح، إذ لو كان صحيحًا لاحتج به بعضهم على بعض حتى يرتفع الخلاف الواقع بينهم، فكان إعراض الجميع عن الاحتجاج به دليلاً ظاهرًا على أنه سهو ممن رواه بعدهم أو أنه منسوخ.

وذلك نحو ما يروى: «الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ بِالنسَاءِ»، فإن الكبار من الصحابة اختلفوا في هذا، ولم يحتج أحد منهم بهذا الحديث، بل أعرضوا عنه، فكان ذلك دليلاً على أنه غير ثابت أو مُؤَوَّلٍ (٣).


(١) ففي مسألة الجهر بالتسمية مثلاً يورد المحدثون الآثار المثتبة في باب، والثانية في باب، إما بطريقة يفهم منها جواز الأمرين. كما فعل أبو داود: ١/ ٢٨٩، ٢٩١، أو بطريقة ترجح أحدهما على الآخر، كما رجح الترمذي عدم الجهر: ٢/ ٤٣، ٤٦؛ و" الدارمي ": ١/ ٢٨٣ حيث صرح بأن الجهر بها مكروه وقد ذهبوا إلى أن الوضوء من أكل ما مسته النار منسوخ (انظر الترمذي: ١ / [١٠٨]، ١١٢؛ أبو داود: ١/ ٨٧، ٨٩).
(٢) انظر " الإحكام "، للآمدي ": ٢/ ١٦٠، ١٦٤؛ وانظر أيضًا " الإحكام "، لابن حزم: ١/ ١٦٠، ١٦٤، وانظر أيضًا " الإحكام "، لابن حزم: ١/ ١١٥، ١١٦، و" نهاية السول "، للإسنوي: ٢/ ١٢٣؛ و" مسلم الثبوت " و " شرحه ": ٢/ ١٢٦ وما بعدها.
(٣) انظر " أصول السرخسي ": ١/ ٣٦٩.

<<  <   >  >>