للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذه النصوص وكثير غيرها تنبئ عن أهمية الفقه , وبالتالي عن مكانة الفقيه لأن الإسلام يحرص على العلم وَيُجِلُّ العُلَمَاءَ، ويسند إليهم ما هو من وظيفة الأنبياء، فالله تعالى يقول: {إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ} (١)، {وَأَنْذِرِ النَّاسَ} (٢)، {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (٣). هذا (الإنذار) الذي أمر به النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد كلف به العلماء وأمروا بالتفقه من أجله {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ} (٤)، ولهذا كان للفقيه في الإسلام مركز الريادة والتوجيه، والإنكار والتقويم والإرشاد إلى النهج الواضح في شؤون الدين والدنيا، منصاعًا لمبدأ الإسلام في المزج بينهما مزجًا تامًا تجعل فيه الدنيا مزرعة للآخرة، وتجعل فيه الآخرة حافزًا على الإنتاج والعمل الصالح في الدنيا.

ولهذا كان علماء الدين في الإسلام عنوانًا لمستوى السلوك في المجتمع الإسلامي وكتابًا تُدوَّنُ فيه أدوار القوة والضعف التي يمر بها، وميزانًا يوزن به استمساكه بالقيم الدينية ومقومات حياته الروحية أو إهداره لهذه القيم: فحيث وجد علماء يرفعون لواء الحق ولا يبالون بما يلقون في سبيله فإننا نحكم بوجود روح دينية عامة. وحيث ينغمس علماء الدين في ترف الحياة، ويفقدون استقلالهم الفكري فيجعلون الحق طوعًا لمن يملك الرهبة أو الرغبة - فإننا نحكم بأن القيم الدينية تمر بأزمة حادة لأن خطورة عالم الدين أو الفقيه تتركز في أنه مَثَلٌ وَقُدْوَةٌ وأن له خبرة في الأحكام فقوله فيها مصدق، ورأيه فيها له وزنه، فإذا لم يكن لديه من فقهه ما يَزَعُهُ عن تنكب الطريق - كان له أثر بالغ في تشويه الدين وتضليل العامة، وهذا ما حدا بعض العلماء إلى التنبيه على خطورة اقتصار الفقيه على معرفة الأحكام، بَلْ صَرَّحَ الغزالي بأن المشاهد أن التجرد لمعرفة هذه الأحكام يقسي القلب


(١) [هود: ١٢].
(٢) [إبراهيم: ٤٤].
(٣) [الشعراء: ٢١٤].
(٤) [التوبة: ١٢٢].

<<  <   >  >>