للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لصغر سنه عند وفاة الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مع كثرة روايته (١).

أما مرسل غير الصحابي فهو الذي فيه الخلاف، وقد بدأ هذا الخلاف بمناوشات خفيفة، ثم تطور إلى صراع عنيف في بداية القرن الثالث، بعد أن أعلن الإمام الشافعي - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - رأيه في المرسل، وفي الشروط المطلوبة لقبول الحديث.

وطبيعي أن يكون القرن الثالث هو الموعد المناسب لاحتدام الخلاف في المرسل، بعد أن قدمنا أن هذا القرن هو الذي تميز فيه مذهب أهل الحديث، وأحكمت فيه أصول صناعتهم. ولا شك أن للشافعي تأثيرًا واضحًا في المحدثين من هذه الناحية، وقد أفصح أبو داود عن هذا التأثير في " رسالته " التي بعث بها إلى أهل مكة، حيث يقول فيها: «وَأما المَرَاسِيل فقد كَانَ يحْتَج بهَا العلمَاء فِيمَا مضى، مثل سُفْيَان الثَّوْريّ وَمَالك بن أنس وَالأَوْزَاعِي، حَتَّى جَاءَ الشَّافِعِي فَتكلم [فِيهَا] وَتَابعه على ذَلِك أَحْمد بن حَنْبَل وَغَيره ...» (٢).

ويقول ابن جرير مُبَيِّنًا أثر محدثي القرن الثالث في العمل بالمراسيل: «لَمْ يَزَلْ النَّاسُ عَلَى العَمَلِ بِالمَرَاسِيلِ حَتَّى حَدَثَ بَعْدَ المِائَتَيْنِ القَوْلُ بِرَدِّهَا» (٣)، ولقد قيل إن رد المراسيل بدعة حدثت بعد القرنين الأول والثاني (٤).

ومعنى ذلك أن العلماء من خلال القرنين الأولين - سواء منهم من اشتغل بالرواية ومن لم يشتغل بها - كانوا يقبلون المرسل ويتبادلون الاحتجاج به، وخاصة مرسل التابعين ولم يكن هذا الصنيع منهم عزوفًا عن التثبت، ورغبة عن الإسناد فإنهم كانوا ينتقون شيوخهم، فإذا اطمأنوا إليهم قبلوا منهم مسندهم ومرسلهم على السواء.


(١) انظر " الإحكام "، للآمدي: ٢/ ١٧٧.
(٢) انظر: تعليق الكوثري على " شروط الأئمة الخمسة ": ص ٥١.
(٣) المصدر السابق، وانظر " أسباب الاختلاف " للخفيف: ص ٩٧.
(٤) المصدران السابقان أنفسهما، وانظر " فواتح الرحموت ": ٢/ ١٧٤.

<<  <   >  >>