للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هناك احتمال كون الصحابي روى عن تابعي، أو يكون التابعي روى مرسله عن تابعي.

فإذا اعترض عليهم بأن رواية الصحابي عن تابعي احتمال نادر، وأن رواية التابعي الثقة حديثًا عن تابعي مثله لا تؤثر، إذ التابعي الثقة لا يروي حديثًا إلا أن يكون سمعه من صحابي - فإن الجواب عن ذلك أن الاحتياط هو الأمثل. والحقيقة أن الإجابة عن ذلك تكمن في الالتزام التام للقواعد التي أرساها المحدثون، والتي طبقها بعضهم تطبيقًا حرفيًا، حتى آل الأمر عند الظاهرية منهم إلى نوع من المغالاة والتحكم: وإلى ذلك يشير الدهلوي حيث يقول: «وَلَا يَنْبَغِي لِمُحَدِّثٍ أَنْ يَتَعَمَّقَ بِالقَوَاعِدِ التِي أَحْكَمَهَا أَصْحَابُهُ، وَلَيْسَتْ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّارِعُ، فَيَرُدُّ بِهِ حَدِيثًا أَوْ قِيَاسًا صَحِيحًا كَرَدِّ مَا فِيهِ أَدْنَى شَائِبَةِ الإِرْسَالِ وَالانْقِطَاعِ كَمَا فَعَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ، رَدَّ حَدِيثَ تَحْرِيمِ المَعَازِفِ لِشَائِبَةِ الانْقِطَاعِ فِي رِوَايَةِ البُخَارِيِّ، عَلَى أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ مُتَّصِلٌ صَحِيحٌ، فَإِنَّ مَثَلُهُ إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهِ عِنْدَ التَّعَارُضِ، وَكَقَوْلِهِمْ: فُلاَنٌ أَحْفَظُ لِحَدِيثِ فُلَانٍ مِنْ غَيْرِهِ، فَيُرَجِّحُونَ حَدِيثَهُ عَلَى حَدِيثِ غَيْرِهِ لِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي الآخِرِ أَلْفَ وَجْهٍ مِنَ الرُّجْحَانِ» (١)

وهكذا استقر رأي جمهور المحدثين وأهل الظاهر على عدم قبول المرسل. وفي ذلك يقول مسلم: «[وَالمُرْسَلُ فِي أَصْلِ] قَوْلِنَا وَقَوْلِ أَهْلِ العِلْمِ بِالأَخْبَارِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ» (٢).

ويقول الترمذي: «وَالحَدِيثُ إِذَا كَانَ مُرْسَلاً، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الحَدِيثِ، قَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ»، ثم ذكر الترمذي السبب في رد المرسل، فقال: «وَمَنْ ضَعَّفَ المُرْسَلَ فَإِنَّمَا ضَعَّفَهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ هَؤُلَاءِ الأَئِمَّةِ حَدَّثُوا عَنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِ الثِّقَاتِ، فَإِذَا رَوَى أَحَدُهُمْ حَدِيثًا وَأَرْسَلَهُ لَعَلَّهُ أَخَذَهُ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ، قَدْ تَكَلَّمَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ فِي مَعْبَدِ الجُهَنِيِّ، ثُمَّ رَوَى


(١) " حجة الله البالغة ": ١/ ٣٢٩.
(٢) " صحيح مسلم بشرح النووي ": ١/ ١٣٢. وقد ذكر مسلم ذلك على لسان من يحتج لاشتراط اللقاء ولا يكتفي بالمعاصرة، وَقَدْ سَلَّمَ مسلم بهذه الحجة، وألزم خصمه بها.

<<  <   >  >>