للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمالكية - ينحصر في أخبار الآحاد، فإنهم بعد الاتفاق على وجوب الأخذ بها تميز المحدثون - ومن ذهب مذهبهم - عن غيرهم في أمرين:

- أولهما: ميلهم إلى أن أخبار الآحاد مفيدة للعلم، وخالفهم الجمهور في أنها لا تفيد إلا الظن.

- ثانيهما: ميلهم إلى الاهتمام بالإسناد، حتى إن شروطهم في صحة الحديث تكاد تكون مقصورة عليه، وَلَا يَرُدُّونَ مَتْنًا سَلِمَ إِسْنَادُهُ، إلا إذا خالف القرآن والسنة المتواترة مخالفة صريحة لا مجال فيها للتأويل (١). فمتى تحققت صحة الإسناد بتوافر شروطه، اعتبر الحديث صحيحًا، وأصبح نصه حينئذٍ مساويًا لنص الكتاب، فيفيد الحديث مع الآية، ما تفيده الآية مع الآية، من نسخ حكم، أو بسط مجمل، أو تقييد مطلق، أو تخصيص عام.

أما المذاهب الأخرى فتوافق المحدثين في بعض الشروط، وتخالفها في بعضها الآخر، ويستحدث بعضها بعضًا لنفسه شروطًا زائدة.

فالعدالة والضبط وما يتفرع عنهما: من الإسلام، وحسن الخلق، والصدق، والحفظ، وعدم الغفلة والوهم، كل أولئك شروط متفق على أصلها، وإن اختلف في مقدارها وتطبيقها.


(١) إن شروط الصحيح، المستنبطة من تعريف المحدثين له، وهي العدالة والضبط واتصال الإسناد، والخلو من الشذوذ والعلل - جلها راجع إلى نقد السند. وما ذكره العلماء من قواعد نقد المتن عند المحدثين - من ركاكة في اللفظ أو فساد في المعنى أو معارضة صريح القرآن وغير ذلك - لم تأت الأحاديث التي ذكروها أمثلة لذلك من طريق صحيح، فهي إذن تؤول إلى الإسناد.
وقد سبق أن نقلنا قول ابن حزم: «لَا سَبِيلَ إِلَى وُجُودِ خَبَرٍ صَحِيحٍ مُخَالِفٍ لِلْقُرْآنِ [أَصْلاً]» (*).
(انظر قواعد نقد متن الحديث، وأمثلة له، في " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي "، للمرحوم الدكتور مصطفى السباعي: ص ١١٤، ١٢٠؛ و" السنة قبل التدوين "، للدكتور محمد عجاج الخطيب: ص ٢٤١، ٢٤٨).

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) قارن بما ورد في الصفحة ٢٠٥ من هذا الكتاب.

<<  <   >  >>