للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ فِيمَنْ ابْتَاعَ شَيْئًا مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ، أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ، وَإِنَّمَا التَّشْدِيدُ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ فِي الطَّعَامِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ» (١)، ورأي أحمد وإسحاق هو رأي الظاهرية أيضًا.

وكما لا يأخذ الظاهرية بأقوال الصحابة والتابعين، مع أن المحدثين ألحقوها بالنصوص - لا يأخذون بالرأي في أي شكل من أشكاله، سواء أكان قياسًا أم مصلحة أم استحسانًا أم غير ذلك، مما سيأتي عند الكلام على أصولهم.

أما المحدثون فهم وإن كانوا يكرهون الرأي، لا يحرمون الرأي المحمود، لا على أنفسهم ولا على غيرهم، ما دام لا يخالف نصًا، ولا ينقض أصلاً. فقد قال أحمد بالقياس عند الضرورة، كما عمل بالمصلحة (٢)، وأخذ بالاستحسان، فقد جاء في " المُغْنِي " فيما إذا غصب أرضًا فزرعها ثم استرجعها ربها والزرع قائم: «إنَّمَا ذَهَبَ - أحمد - إلَى هَذَا الحُكْمِ اسْتِحْسَانًا، عَلَى خِلاَفِ القِيَاسِ» ... «وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ أَحْمَدُ فَقَالَ: " هَذَا شَيْءٌ لاَ يُوَافِقُ القِيَاسَ، أَسْتَحْسِنُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ نَفَقَتَهُ، لِلأَثَرِ "» (٣).

ثالثًا - اختلف الظاهرية مع المحدثين في بعض صور الإسناد: فالظاهرية


(١) " الترمذي بشرح ابن العربي ": ٥/ ١٩٠، ١٩١؛ وانظر " بداية المجتهد ": ٢/ ١٣٠، ١٢٢.
(٢) انظر " ابن حنبل "، لأبي زهرة: ص ٣٠٠.
(٣) انظر "المغني ": ٥/ ٢٣٤، ٢٣٦ بتصرف يسير. والأثر الذي من أجله ترك أحمد القياس هو الحديث: «مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ مِنَ الزَّرْعِ شَيْءٌ [وَلَهُ] نَفَقَتُهُ»، والاستحسان للأثر هو نوع من أنواع الاستحسان، إذ هو ترك لمقتضى القياس لأثر أو إجماع أو قياس آخر (انظر " أصول التشريع "، لأستاذنا علي حسب الله: ص ١٦٥، ١٦٧؛ و" أبو حنيفة "، للأستاذ أبي زهرة: ص ٣٤٢، ٣٤٩).

<<  <   >  >>