للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَيْنَهُمَا؟ وَلِمَ صِرْتُمْ إِلَى أَحَدِهِمَا فِي بَعْضِ الأَمْكِنَةِ، وَإِلَى الآخَرِ فِي أَمْكِنَةٍ أُخْرَى؟ وَمَا حَدُّ المَوَاضِعِ التِي تَأْخُذُونَ فِيهَا بِاسْتِصْحَابِ الحَالِ؟ وَمَا حَدُّ المَوَاضِعِ التِي تَأْخُذُونَ فِيهَا بِأَقَلِّ مَا قِيلَ؟ وَأَنْتُمْ تُسَمُّونَ فِعْلَكُمْ فِي كِلَا المَوْضِعَيْنِ اتِّبَاعًا لِلْإِجْمَاعِ وَإِجْمَاعًا صَحِيحًا ...».

ثم أجاب بقوله: «إِنَّ الذِي عَمِلْنَا فِيهِ بِأَنْ سَمَّيْنَاهُ أَقَلَّ مَا قِيلَ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي حُكْمٍ أَوْجَبَ غَرَامَةَ مَالٍ، أَوْ عَمَلاً بِعَدَدٍ، لَمْ يَأْتِ فِي بَيَانِ مِقْدَارِ ذَلِكَ نَصٌّ فَوَجَبَ فَرْضًا أَلَّا نَحْكُمَ عَلَى أَحَدٍ لَمْ يُرِدْ نَاقِضٍ فِي الحُكْمِ عَلَيْهِ إِلَّا بِإِجْمَاعٍ عَلَى الحُكْمِ عَلَيْهِ، وَكَانَ العَدَدُ الذِي قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِهِ، وَقَدْ صَحَّ الإِجْمَاعُ فِي الحُكْمِ بِهِ، وَكَانَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلاً بِلَا دَلِيلٍ، لَا مِنْ نَصٍّ وَلَا إِجْمَاعٍ فَحَرَامٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ الأَخْذَ بِهِ.

وَأَمَّا الذِي عَمَلْنَا فِيهِ بِأَنْ سَمَّيْنَاهُ اسْتِصَحَابَ الحَالِ، فَكُلُّ أَمْرٍ ثَبَتَ إِمَّا بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ، فِيهِ تَحْرِيمٌ أَوْ تَحْلِيلٌ أَوْ إِيجَابٌ، ثُمَّ جَاءَ نَصٌّ مُجْمَلٌ يَنْقُلُهُ عَنْ حَالِهِ، فَإِنَّمَا نَنْتَقِلُ مِنْهُ إِلَى مَا نَقَلْنَا النَّصَّ، فَإِذَا اخْتَلَفُوا وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِبُرْهَانٍ عَلَى أَحَدِ الوُجُوهِ التِي اخْتَلَفُوا [عَلَيْهِ]، وَكَانَتْ كُلُّهَا دَعَاوَى، [فَإِذَا] ثَبَتَ عَلَى مَا قَدْ صَحَّ الإِجْمَاعِ أَوْ النَّصِّ عَلَيْهِ، وَنَسْتَصْحِبُ تِلْكَ الحَالِ، وَلَا نَنْتَقِلُ عَنْهَا إِلَى دَعَاوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا» (١).

ثم ذكر لذلك أمثلة، منها: أن الذهب لم يأت فيه نص بمقدار النصاب ولا في مقدار الحق المأخوذ منه فصرنا في ذلك إلى الإجماع ضرورة، لأنه لا يحل من مال المسلم إلا ما أوجبه نص أو إجماع، فلم نوجب في الذهب إلا أقل ما قيل في نصابه، وهو أربعون دينارًا، فلا يؤخذ زكاة في أقل من أربعين دينارًا، بخلاف الفضة، لأن الفضة ورد فيها نص، أما الذهب فلم يرد في مقدار ما يؤخذ منه نص يصح البتة.


(١) " الإحكام ": ٣/ ١٥٥.

<<  <   >  >>