محاولة التشكيك في الآثار التي اعترفت بالرأي وأقرت به، كتضعيفهم حديث معاذ، الذي قال له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حينما بعثه إلى اليمن:«كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟»، قَالَ: أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ، قَالَ:«فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟»، قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ:«فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ؟»، قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلَا آلُو. فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدْرِي وَقَالَ:«الحَمْدُ لِلَّهِ الذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ»(١).
هذه لمحة بسيطة عن وجهة نظر الظاهرية في إبطالهم الرأي. فلسنا في مجال بسط الأدلة ولا الرد عليها، فقد اكتظت صفحات عديدة من كتب الأصول بإيراد الأدلة ومناقشتها وموازنتها، ويكفينا أن نشير هنا إلى أن القائلين بالرأي يستندون في القول به إلى القرآن والسنة والآثار أيضًا وأنهم ليسوا خارجين على النصوص، وإنما هم يوسعون مجال العمل بها، وأنهم لا يقولون على الله ما لا يعلمون، بل يقولون عليه ما أرشدهم الله ورسوله إليه. وأن الظن ليس مذمومًا على إطلاقه، بل هو لفظ مشترك في اللغة، يطلق على الشك والتردد كما يطلق على الراجح بين طرفي الاعتقاد غير الجازم، كما يطلق على اليقين {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}[البقرة: ٤٦]، لأنه لا بد من اليقين في الإيمان بالآخرة، كقوله تعالى:{وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}[النمل: ٣]، كما
(١) انظر الجزء الأول من " إعلام الموقعين " فقد أفاض في حجج الآخذين بالقياس والمانعين منه؛ وانظر " الإحكام " لابن حزم، الأبواب ٣٤ و ٣٥ و ٣٨ و ٣٩ من الأجزاء ٦ و ٧ و ٨؛ و" ابن حزم "، لأبي زهرة: ص ٣٨٢، ٤٣٧؛ و" المستصفى ": ٢/ ٢٢، ٢٨؛ وانظر حديث معاذ في " الترمذي ": ٦/ ٦٨، ٧٠، ومناقشة ابن العربي لمن ضعفه في: ص ٧٢، ٧٣.