أَحَدُهَا: رَدُّ الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ، وَلَا سِيَّمَا الْمَنْصُوصَ عَلَى عِلَّتِهِ الَّتِي يَجْرِي النَّصُّ عَلَيْهَا مَجْرَى التَّنْصِيصِ عَلَى التَّعْمِيمِ بِاللَّفْظِ ... وَلَا يَسْتَرِيبُ أَحَدٌ فِي أَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ " لَا تَأْكُلْ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ فَإِنَّهُ مَسْمُومٌ " نَهْيٌ لَهُ عَنْ كُلِّ طَعَامٍ كَذَلِكَ.
[الْخَطَأُ الثَّانِي]: تَقْصِيرُهُمْ فِي فَهْمِ النُّصُوصِ، فَكَمْ مِنْ حُكْمٍ دَلَّ عَلَيْهِ النَّصُّ وَلَمْ يَفْهَمُوا دَلَالَتَهُ عَلَيْهِ، وَسَبَبُ هَذَا الْخَطَأِ حَصْرُهُمْ الدَّلَالَةَ فِي مُجَرَّدِ ظَاهِرِ اللَّفْظِ، دُونَ إيمَائِهِ وَتَنْبِيهِهِ وَإِشَارَتِهِ وَعُرْفِهِ عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ، فَلَمْ يَفْهَمُوا مِنْ قَوْلِهِ: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣] ضَرْبًا وَلَا سَبًّا وَلَا إهَانَةً غَيْرَ لَفْظَةِ أُفٍّ.
الْخَطَأُ الثَّالِثُ: تَحْمِيلُ الِاسْتِصْحَابِ فَوْقَ مَا يَسْتَحِقُّهُ، وَجَزْمُهُمْ بِمُوجَبِهِ، لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِالنَّاقِلِ، وَلَيْسَ عَدَمُ الْعِلْمِ عِلْمًا بِالْعَدَمِ ... [فَنُفَاتُ الْقِيَاسِ] لَمَّا سَدُّوا عَلَى نُفُوسِهِمْ بَابَ التَّمْثِيلِ وَالتَّعْلِيلِ وَاعْتِبَارِ الْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ - وَهُوَ مِنْ الْمِيزَانِ وَالْقِسْطِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ - احْتَاجُوا إلَى تَوْسِعَةِ الظَّاهِرِ وَالِاسْتِصْحَابِ، فَحَمَّلُوهُمَا فَوْقَ الْحَاجَةِ وَوَسَّعُوهُمَا أَكْثَرَ مِمَّا يَسَعَانِهِ، فَحَيْثُ فَهِمُوا مِنْ النَّصِّ حُكْمًا أَثْبَتُوهُ وَلَمْ يُبَالُوا بِمَا وَرَاءَهُ، وَحَيْثُ لَمْ يَفْهَمُوا مِنْهُ نَفَوْهُ، وَحَمَّلُوا الِاسْتِصْحَابَ
الْخَطَأُ الرَّابِعُ لَهُمْ: اعْتِقَادُهُمْ أَنَّ عُقُودَ الْمُسْلِمِينَ وَشُرُوطَهُمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ كُلَّهَا عَلَى الْبُطْلَانِ، حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى الصِّحَّةِ، فَإِذَا لَمْ يَقُمْ عِنْدَهُمْ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ شَرْطٍ أَوْ عَقْدٍ أَوْ مُعَامَلَةٍ اسْتَصْحَبُوا بُطْلَانَهُ، فَأَفْسَدُوا بِذَلِكَ كَثِيرًا مِنْ مُعَامَلَاتِ النَّاسِ وَعُقُودِهِمْ وَشُرُوطِهِمْ بِلَا بُرْهَانٍ مِنْ اللَّهِ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْأَصْلِ» (١).
(١) انظر " إعلام الموقعين " مع " حادي الأرواح ": ٢/ ٢٦، ٤٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute