للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ: " أَكْرَهُهُ وَلَا أَقُولُ هُوَ حَرَامٌ ". وَمَذْهَبُهُ تَحْرِيمُهُ، وَإِنَّمَا تَوَرَّعَ عَنْ إطْلَاقِ لَفْظِ التَّحْرِيمِ لِأَجْلِ قَوْلِ عُثْمَانَ» (١).

وقال أحمد: «" يُكْرَهُ أَنْ يُتَوَضَّأَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ "، وَمَذْهَبُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: " وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَدْخُلَ الْحَمَّامَ [إلَّا] بِمِئْزَرٍ لَهُ "، وَهَذَا اسْتِحْبَابُ وُجُوبٍ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ [إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ]: " إذَا كَانَ أَكْثَرُ مَالِ الرَّجُلِ حَرَامًا فَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُؤْكَلَ مَالُهُ "، وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ».

وفي بعض المسائل يتبين أن الإمام أحمد كان يتورع عن إطلاق لفظ التحليل والتحريم، حتى في المسائل المنصوص على حكمها نَصًّا صريحًا، فقد قال: «لَا يُعْجِبُنِي أَكْلُ مَا ذُبِحَ لِلزَّهْرَةِ وَلَا الكَوَاكِبِ وَلَا الْكَنِيسَةِ، وَكُلُّ شَيْءٍ ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: ٣]».

قال ابن القيم بعد ذكره الأمثلة على هذا الاتجاه عند أحمد: «وَهَذَا فِي أَجْوِبَتِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُسْتَقْصَى» (٢).

هذا هو سلوك المحدثين عند الاستنباط، وهو كما رأينا، سلوك تحكمه الخشية لله - عَزَّ وَجَلَّ -، ويسيطر عليه الورع، ويخضع لرقابة الضمير اليقظ. ولا شك أن هذا السلوك متأثر بتصورهم للفقه، هذا التصور الشامل الذي يجمع بين العلم والعمل في مفهوم الفقه، ولا يقصره على معرفة الأحكام العملية المجردة.


(١) في " المغني ": ٦/ ٥٨٤ أن الجمع بين الأختين بملك اليمين كرهه عمر وعثمان وعلي وابن عمر وابن مسعود، وروي عن ابن عباس قال: «أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ، [وَلَمْ أَكُنْ لِأَفْعَلْهُ]»، ويروى ذلك عن علي، والآيتان هما: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: ٢٣] و {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: ٦].
(٢) انظر " إعلام الموقعين ": ١/ ٤٤ وما بعدها والنص المذكور في ص ٤٦.

<<  <   >  >>