للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حديث عائشة مرفوعًا: «رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ، أَوْ يُفِيقَ»، وزاد بعض الرواة: [قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي حَدِيثِهِ] (*): «وَعَنِ المُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ». كما روى ابن ماجه أيضًا في (بَابُ طَلاَقِ المُكْرَهِ وَالنَّاسِي) الأحاديث التي تفيد عدم المؤاخذة بالأعمال الناتجة عن خطأ، أو نسيان، أو إكراه، أو غضب (١).

وهكذا يهتم أهل الحديث بالنيات والمقاصد، ولا يكتفون بظواهر الألفاظ، ولا يحكمون بموجبها حتى يتوفر القصد إلى اللفظ وإلى موجبه معًا، «فَلَا بُدَّ مِنْ إرَادَتَيْنِ: إرَادَةِ التَّكَلُّمِ بِاللَّفْظِ اخْتِيَارًا، وَإِرَادَةِ مُوجِبِهِ وَمُقْتَضَاهُ» (٢).

ولا فرق في تأثير القصد والنية في الأعمال بين العبادات وغيرها، فكل تصرفات الإنسان الاختيارية التي يوجه إليه التكليف فيها تعتبر فيها النيات ولا بد. وفي ذلك يقول ابن القيم: «وَقَاعِدَةُ الشَّرِيعَةِ التِي لَا يَجُوزُ هَدْمُهَا أَنَّ المَقَاصِدَ وَالاِعْتِقَادَاتِ مُعْتَبَرَةٌ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَالعِبَارَاتِ كَمَا هِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي التَّقَرُّبَاتِ وَالْعِبَادَاتِ، فَالقَصْدُ وَالنِّيَّةُ وَالاِعْتِقَادُ يَجْعَلُ الشَّيْءَ حَلاَلاً [أَوْ] حَرَامًا، وَصَحِيحًا [أَوْ] فَاسِدًا، وَطَاعَةً [أَوْ] مَعْصِيَةً، كَمَا أَنَّ القَصْدَ فِي العِبَادَةِ يَجْعَلُهَا وَاجِبَةً أَوْ مُسْتَحَبَّةً أَوْ مُحَرَّمَةً أَوْ صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً» (٣).

وليس هذا التأثير للقصود مقصورًا على التصرفات اللفظية مثل ألفاظ اليمين والطلاق والعتاق وغيرها، بل إن تأثيرها يمتد إلى العقود أيضًا، بل يذهب بعضهم إلى أن اعتبار القصود في العقود أولى من اعتبار الألفاظ،


(١) " سنن ابن ماجه ": ٧/ ٦٥٨، ٦٦٠.
(٢) " إعلام الموقعين ": ٣/ ٦٩ مطبعة الكردي سنة ١٣٢٥ هـ.
(٣) " إعلام الموقعين ": ٣/ ٢٢.

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) أبو بكر بن أبي شيبة، انظر " السنن "، ابن ماجه، حديث رقم ٢٠٤١، ١/ ٦٥٨، (تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي) - حديث رقم ٢٠٤١، ٣/ ١٩٨ (تحقيق الشيخ شعيب الأرناؤوط).

<<  <   >  >>