للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَلِيًّا كَانَ يَتَفَرَّغُ لِهَذَا» (١).

وقد لاحظ ابن عبد البر التناقض الظاهر بين ما أثر عن الشعبي في ذم القياس وما روي عنه من استعماله والإفتاء بمقتضاه، وذهب في دفع هذا التناقض، إلى أن الشعبي إنما كان يذم القياس المبني على غير الأصل (٢)، ولعل فيما قدمناه ما يوضح الجانب النفسي الذي صدر عنه ما أثر عن الشعبي في ذم القياس والرأي.

وإبراهيم النخعي - على الرغم من تناوله للرأي وكثرة استخدامه للقياس لم يكن يجهل السُنَّةَ أو يهمل استخدام الحديث، بل إنه أخذ صفو الحديث، كما سبق عن الشعبي، وكان بصيرًا بنقده، عالمًا بوجوه علله، يَقُولُ الْأَعْمَشُ: «كَانَ إِبْرَاهِيمُ صَيْرَفِيَّ الحَدِيثِ، فَكُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ الحَدِيثَ مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَرَضْتُهُ عَلَيْهِ» (٣) وقال أيضًا: «مَا ذَكَرْتُ لإِبْرَاهِيمَ حَدِيثًا قَطُّ إِلَّا زَادَنِي فِيهِ» (٤). ولكنه مع هذا العلم بالحديث والدراية بنقده لم يكن يرغب في الاشتغال بالرواية، تَوَرُّعًا وَخَوْفًا مِنَ الزَّلَلِ، قِيلَ لَهُ: «" [يَا أَبَا عِمْرَانَ] أَمَا بَلَغَكَ حَدِيثٌ عَنِ النَّبِيِّ - صلّى الله عليه وسلم -[تُحَدِّثُنَا]؟ "، قَالَ: " بَلَى وَلَكِنْ أَقُولُ: قَالَ عُمَرُ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ، وَقَالَ عَلْقَمَةُ، وَقَالَ الْأَسْوَدُ، أَجِدُ ذَاكَ أَهْوَنَ عَلَيَّ» (٥). وسَأَلَهُ أَحَدُهُمْ فَقَالَ: «" أَلَا تُحدِّثُنَا؟ " فرَدَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: " [تُرِيدُ] أَنْ أَكُونَ مِثْلَ فُلانٍ؟ ائْتِ مَسْجِدَ الحَيِّ، فَإِنْ جَاءَ إِنْسَانٌ يَسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ فَسَتَسْمَعُهُ» (٦).


(١) " تهذيب التهذيب ": ٥/ ٦٧.
(٢) انظر " جامع بيان العلم ": ٢/ ٦٠.
(٣) " حلية الأولياء ": ٤/ ٢٢٠.
(٤) " الطبقات ": ٦/ ١٨٩.
(٥) " الطبقات ": ٦/ ١٩٠.
(٦) " الطبقات ": ٦/ ١٩٠.

<<  <   >  >>