للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومسروق والشعبي، في إحدى الروايتين عنهم، وهو قول شريح (١).

أما التناقض الذي أخذه البخاري على أهل الرأي في الشهادة، حيث منعوا شهادة المحدودين، ثم أجازوا شهادة اثنين منهم في النكاح فقط، ولم يجيزوا شهادة العبيد في النكاح - فهذا صحيح، ولكن هذه التفرقة جاءت باعتبارات مختلفة راعاها أهل الرأي، جاء في " الهداية ": «وَلَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ المُسْلِمِينَ إلَّا بِحُضُورِ شَاهِدَيْنِ حُرَّيْنِ، عَاقِلَيْنِ، بَالِغَيْنِ، مُسْلِمَيْنِ، رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَيْنِ، عُدُولًا كَانُوا أَوْ غَيْرَ عُدُولٍ، أَوْ مَحْدُودِينَ فِي القَذْفِ». ثم قال صاحب " الهداية " في شرح ذلك: «وَلَا تُشْتَرَطُ العَدَالَةُ حَتَّى يَنْعَقِدَ بِحَضْرَةِ الفَاسِقَيْنِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. لَهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الكَرَامَةِ وَالفَاسِقُ مِنْ أَهْلِ الْإِهَانَةِ. وَلَنَا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الوِلَايَةِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُحَرِّمْ الوِلَايَةَ عَلَى نَفْسِهِ لِإِسْلَامِهِ لَا يُحَرِّمُ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ ... وَالمَحْدُودُ فِي القَذْفِ مِنْ أَهْلِ الوِلَايَةِ، فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ تَحَمُّلًا، وَإِنَّمَا الفَائِتُ ثَمَرَةُ الْأَدَاءِ، بِالنَّهْيِ لِجَرِيمَتِهِ، فَلَا يُبَالِي [بِفَوَاتِهِ] كَمَا فِي شَهَادَةِ [العُمْيَانِ] وَابْنَيْ العَاقِدَيْنِ». ولا بد من اعتبار الحرية فيها، لأن العبد لا شهادة له لعدم الولاية على نفسه، فلا تثبت له الولاية على غيره (٢).

وقد ذكر ابن رشد في " بداية المجتهد ": ٢/ ١٤ أن المقصود بالشهادة عند أبي حنيفة في النكاح هو إعلانه فقط، ولذا ينعقد النكاح عنده بشهادة فاسقين، أما قبول شهادة العدل في هلال رمضان وإن كان عبدًا، فلأنه أمر ديني يشبه رواية الأخبار، ولهذا لا يختص بلفظ الشهادة (٣) وقد ناقش ابن القيم الآراء في شهادة العبيد مرجحًا قبولها، لأن الإمام أحمد روى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: «مَا عَلِمْتُ أَحَدًا رَدَّ شَهَادَةَ العَبْدِ» (٤).


(١) انظر " بداية المجتهد ": ٢/ ٣٧٠، ٣٨٦؛ و" إعلام الموقعين " بهامش " حادي الأرواح ": ١/ ١٤٥، ١٥١؛ و" الهداية ": ٣/ ٨٩؛ و" أسباب الاختلاف " للأستاذ علي الخفيف: ص ١٦٨، ١٦٦.
(٢) " الهداية ": ١/ ١٣٧، ١٣٨.
(٣) " الهداية ": ١/ ٨٦.
(٤) " إعلام الموقعين ": ١/ ١١٤، ١١٥.

<<  <   >  >>