للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَذَفَ الأَخْرَسُ امْرَأَتَهُ، بِكِتَابَةٍ أَوْ إِشَارَةٍ أَوْ بِإِيمَاءٍ مَعْرُوفٍ، فَهُوَ كَالمُتَكَلِّمِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَجَازَ الإِشَارَةَ فِي الفَرَائِضِ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الحِجَازِ وَأَهْلِ العِلْمِ». وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} [مريم: ٢٩]. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: {إِلَّا رَمْزًا} [آل عمران: ٤١] «إِلَّا إِشَارَةً». وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ، ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ الطَّلاَقَ بِكِتَابٍ أَوْ إِشَارَةٍ أَوْ إِيمَاءٍ جَائِزٌ، وَلَيْسَ بَيْنَ الطَّلاَقِ وَالقَذْفِ فَرْقٌ، فَإِنْ قَالَ: القَذْفُ لاَ يَكُونُ إِلَّا بِكَلاَمٍ، قِيلَ لَهُ: كَذَلِكَ الطَّلاَقُ لَا [يَجُوزُ] إِلَّا بِكَلاَمٍ، وَإِلَّا بَطَلَ الطَّلاَقُ وَالقَذْفُ، وَكَذَلِكَ العِتْقُ، وَكَذَلِكَ الأَصَمُّ يُلاَعِنُ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ: «إِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ، فَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ، تَبِينُ مِنْهُ بِإِشَارَتِهِ». وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «الأَخْرَسُ إِذَا كَتَبَ الطَّلاَقَ بِيَدِهِ لَزِمَهُ». وَقَالَ حَمَّادٌ: «الأَخْرَسُ وَالأَصَمُّ إِنْ قَالَ بِرَأْسِهِ، جَازَ».

ثم روى البخاري أحاديث تفيد استعمال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الإشارة في بعض الأمور، مثل الحديث: «أَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا»، وكإشارته - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - إلى اليمين ثم قوله: «الإِيمَانُ هَا هُنَا»، وكقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» - يَعْنِي: ثَلاَثِينَ ... (١).

عمدة الأحناف في المنع من حد الأخرس بإشارته، أن هذه الإشارة لا تعرى عن الشبهة، والحد يندرئ بها، بخلاف البيوع وسائر التصرفات، واللعان من قبيل الشهادة، حتى إنه يختص بلفظ «أَشْهَدُ»، ولو كان مكانها


(١) " البخاري ": ٢/ ٢٧٨، وآيات اللعان التي أشار إليها البخاري من آية ٤ إلى ٩ سورة النور، وقوله تعالى: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} [مريم: ٢٩] و {إِلَّا رَمْزًا} فسرها الضحاك بالإشارة هي من الآية ٤١ سورة آل عمران.

<<  <   >  >>