للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رفض رواية فاطمة بنت قيس في عدم وجوب النفقة والسُكنى للمطلقة البائن، كما رفض حديثها هذا أسامة بن زيد وعائشة (١) - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -.

والإمام مالك يصنع مثل ذلك إذا عارض الخبر إجماع أهل المدينة أو عملهم، وأورد ابن القيم أمثلة كثيرة لذلك (٢).

وإذا كان أبو حنيفة يتساوى مع مالك وغيره من المجتهدين في الاعتماد على السُنَّةِ، وفي رد ما لا يوثق به منهما، وفي استعمال الرأي، فَلِمَ خُصَّ المَذْهَبُ الحَنَفِيُّ بِالهُجُومِ؟ لم أتهم بنبذ السُنَّةِ وتقديم الرأي عليها، مع أن غيره يصنع أيضًا مثل هذا الصنيع؟.

إنَّ السبب في رأيي يرجع إلى ظاهرتين عاصرهما الفقه الحنفي، وشهد نشأتهما.

الظاهرة الأولى: تَكَوُّنُ طَائِفَةِ المُحَدِّثِينَ وتجمعهم وبروزهم إلى المجتمع كمدرسة لها تخصصاتها واهتماماتها، مما أضفى عليها ملامح خاصة تميزهم عن غيرهم.

ففي بداية هذا القرن بدأ تدوين الحديث وجمعه من الأقطار المختلفة يأخذ صبغة رسمية، وينال عناية الدولة، منذ أن أمر عمر بن عبد العزيز أبا بكر بن حزم عامله على المدينة بأن يجمع ما عنده من سنة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكتب إلى الآفاق: «انْظُرُوا حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاجْمَعُوهُ» (٣)، فنشط العلماء لذلك وأكثروا من الرحلات ولم يقتصروا على


(١) " محاضرات في أسباب اختلاف الفقهاء ": ص ٣٤، ٣٥.
(٢) انظر نهاية الجزء الثاني وبداية الجزء الثالث من " إعلام الموقعين ". ط. الكردي بالأزهر سنة ١٩٢٥ م.
(٣) انظر " علوم الحديث ومصطلحه ": ص ٣٧؛ و" السنة قبل التدوين " للدكتور محمد عجاج الخطيب: ص ٣٢٩.

<<  <   >  >>