للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتبادلا الاتهامات، وبالغ كل من الطرفين في الانتقاص من الطرف الآخر والتشهير به، وَأَلَّفُوا فِي ذَلِكَ كُتُبًا. فالمعتزلة يتهجمون على أهل الحديث في كتب أفردوها لذلك، وأودعوها طعونهم ومآخذهم، ويشير إليها ابن قتيبة بقوله: «فَإِنَّكَ كَتَبْتَ إِلَيَّ تُعْلِمُنِي مَا وَقَفْتَ عَلَيْهِ مِنْ ثَلْبِ أَهْلِ الكَلَامِ أَهْلَ الحِدِيثِ وَامْتِهَانِهِمْ، وَإِسْهَابِهِمْ فِي الكُتُبِ بِذَمِّهِمْ» (١).

ومن كتبهم في ذلك كتاب " قبول الأخبار ومعرفة الرجال " (*) لأبي القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي (ت ٣١٧ أو ٣١٩ هـ) ويقول في مقدمته: «... فَإِنِّي لَمَّا عَارَضْتُ شَيْخَنَا أَبَا الحُسَيْنِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فِي كِتَابِهِ الذِي طَعَنَ بِهِ عَلَى خَبَرِ الوَاحِدِ، وَقُلْتُ فِي إِثْبَاتِهِ وَإِيجَابِ قَبُولِهِ فِي المَوَاضِعِ التِي ذَكَرْتُهَا وَعَلَى المَوَاضِعِ التِي بَيَّنْتُهَا مَا وُفِّقْتُ إِلَيْهِ - خِفْتُ عَلَيْكَ أَنْ تَجَاوَزَ الحَدَّ فِي حُسْنِ الظَّنِّ بِأَخْبَارِ كَثِيرٍ مِنَ المُنْتَسِبِينَ إِلَى الحَدِيثِ وَأَنْ تَغْتَرَّ بِانْتِشَارِ ذِكْرِهِمْ، وَبُعْدِ صَوْتِهِمْ عِنْدَ أَصْحَابِهِمْ، فَعَمَلْتُ كِتَابِي هَذَا، وَذَكَرْتُ لَكَ فِيهِ أَحْوَالَ القَوْمِ، وَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، دُونَ مَا قَالَهُ فِيهِمْ خُصُومُهُمْ، وَوَصَفُوهُمْ بِهِ مِنَ المُنَاقَضَةِ وَالخَطَأِ، لِتَعْرِفَ بِذَلِكَ مِقْدَارَهُمْ» (٢).

وَالمُحَدِّثُونَ مِنْ جَانِبِهِمْ يَذُمُّونَ الكَلَامَ وَأَهْلَهُ، ويؤلفون الكتب دفاعًا عن أنفسهم، ولا ينسون أن يشيروا إلى المعتزلة وتهجمهم على أهل الحديث حتى في كتب علوم الحديث، فالرامهرمزي يقول في كتابه: «اعْتَرَضَتْ طَائِفَةٌ مِمَّنْ يَشْنَأُ الحَدِيثَ وَيُبْغِضُ أَهْلَهُ، فَقَالُوا بِتَنَقُّصِ أَصْحَابِ الحَدِيثِ وَالْإِزْرَاءِ بِهِمْ، وَأَسْرَفُوا فِي ذَمِّهِمْ وَالتَّقَوُّلِ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ شَرَّفَ اللَّهُ الحَدِيثَ وَفَضَّلَ أَهْلَهُ» (٣).


(١) " تأويل مختلف الحديث ": ص ١٢.
(٢) مصور بدار الكتب المصرية برقم (ب ٢٤٢٥١) (*).
(٣) مقدمة كتاب " المحدث الفاصل بين الراوي والواعي "، للرامهرمزي، تحقيق محمد عجاج الخطيب (**)، مخطوط دار العلوم.

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) طبع الكتاب، تحقيق أبي عمرو الحسيني بن عمر بن عبد الرحيم، طبعة سنة ٢٠٠٠ م، ٨٣٩ صفحة، (٢ مجلد). نشر دار الكتب العلمية.
(**) " المحدث الفاصل بن الراوي والواعي "، للقاضي الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي (ت ٣٦٠ هـ)، قدم له وحققه وخرج أخباره وعليق عليه ووضع فهارسه الدكتور محمد عجاج الخطيب، الطبعة الأولى: ١٣٩١ هـ - ١٩٧١ م، دار الفكر للطباعة والنشر. بيروت - لبنان، (٦٨٦ صفحة).

<<  <   >  >>