للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتبه، سواء التي تمكنت من الحصول عليها، وهي مخطوطة رهن خزائن التراث هنا وهناك، والتي أتيح لي الاطلاع عليها.

فقد كان له في التفسير كتاب ضخم، تيسّر لي الاطلاع على ثلثه الأول، فوجدته متميزا من دون أغلب التفاسير المعتدة بأن مكيا قد رسم خطة تأليفه، وأحكم بناءه بما يتجنب فيه كل ما رأى من الذين تقدموه وقعوا في الغلط فيه من حيث حشد الأسانيد، أو متفرق المتشابه والمتماثل، أو إعادة المكرور، أو الإغراق في جانب، والاختصار في آخر، وغير ذلك مما حرص مكي على اجتنابه. وحسب هذا التفسير ما نقله المقّري من قول المجتهد الإمام ابن حزم فيه: «وأما القرآن فمن أجلّ ما صنّف في تفسيره كتاب الهداية إلى بلوغ النهاية» (١).

وأما في وجوه القراءات رواية واحتجاجا وتعليلا فهو إمام حجة مقدم. إذ أن أكثر مؤلفاته إنما هي في علم القراءة ووجوهها، أو ما يتصل بها. وأحسب أن نفرا من المؤلفين في القراءة من نحو كتاب التبصرة وسواه من كتب مكي إنما كان متأسيا به مقتفيا أثره متبعا له. ومكي مؤلف حصيف، كان كثيرا ما ينتفع من أغلاط غيره فيجتنبها، ويقصد إلى إفادة القارئ والدارس في كل ما يكتب، فهو يقول في خطة تأليفه كتاب التبصرة: «أخليت هذا الكتاب من كثرة العلل، وجعلته مجردا من الحجة، وربما يسّرت إلى اليسار من ذلك لعلة توجبه، وضرورة تدعو إليه، وقللت فيه الروايات الشاذة، وأضربت عن التكرار، ليقرب حفظه على من أراد ذلك» (٢). ويقول في موضع آخر: «ولولا ما فرّق في الكتب مما نحن جامعوه، وما عدم فيه القول مما نحن قائلوه، وما صعب مأخذه على الطلاب مما نحن مقربوه، وما طوّل فيه الكلام لغير كثير فائدة لما نحن موجزوه ومبينوه، لكان لنا عما قصدنا إليه شغل، وفيما قد ألّفه من تقدمنا من السلف الصالح كفاية ومقنع، ونحن معترفون لهم بالفضل والتقدم لهم في العلم، رحمة الله عليهم أجمعين» (٢).


(١) نفح الطيب ٤/ ١٧١
(٢) التبصرة ٣ /أ

<<  <  ج: ص:  >  >>