للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وابن محيصن وشبية، وبالنصب قرأ الحسن وأبو جعفر، وابن أبي إسحاق وشبل وغيرهم، وهو الاختيار، لأن عليه جماعة القراء (١).

«١٣١» قوله: ﴿إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾ قرأه (٢) حمزة والكسائي بالثاء، جعلاه من الكثرة حملا على المعنى، وذلك أن الخمر تحدث، مع شربها، آثام كثيرة من لغط وتخليط، وسبّ وأيمان، وعداوة وخيانة، وتفريط في الفرائض، وفي ذكر (٣) الله وفي غير ذلك، فوجب أن توصف بالكثرة. وقد قال بعد ذلك «ومنافع للناس» فجمع المنافع. وكذلك يجب أن تكون الآثام جمعا. والجمع يوصف بالكثرة. وأيضا فإن وصف الإثم بالكثرة أبلغ، من وصفه بالكبر. وقد قال الله جلّ ذكره: ﴿وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً﴾ «الفرقان ١٤» وقال: ﴿ذِكْراً كَثِيراً﴾ «الأحزاب ٤١»، فأما قوله ﴿وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ﴾ «البقرة ٢١٩» فأتى بالباء، فإنما ذلك (٤)، لأن الإثم الثاني واحد، والأول بمعنى الآثام، فحسن في الأول الكثرة لكثرته، ولم يحسن في الثاني الكثرة لقلته في المعنى. وأيضا فإنه إجماع، ويدلّ على أن الأول بمعنى الجمع قوله: (ومنافع) فعطف عليه بجمع، فهو مثله، ولمعنى الكثرة مزية على معنى الكبر، لأن الكثرة تستوعب معنى العظم ومعنى الكثرة، ولا يستوعب العظم معنى الكثرة، لأن الإثم يكون عظيما، ولا يكون كثيرا إلا وهو عظيم. وتقول: كل كثير كبير، ولا تقول: كل كبير كثير. فالقراءة بالثاء أعمّ، لتضمّنها معنى الكثرة والكبر. وقرأ الباقون بالباء، من الكبر، على معنى العظم، أي: فيهما إثم عظيم. ويقوي ذلك إجماعهم على قوله: ﴿وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما﴾ بالباء، من العظم. وقد أجمعوا على أن شرب الخمر من الكبائر، فوجب أن يوصف إثمه بالكبر. وقد وصف الله الشرك بالعظم فقال:

﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ «لقمان ١٣» فكذلك ينبغي أن يوصف ما قرب من


(١) زاد المسير ١/ ٢٣٢، وتفسير ابن كثير ١/ ٢٥١، وتفسير النسفي ١/ ١٠٧، وكتاب سيبويه ١/ ٤٨٣، ومغني اللبيب ١٢٤، وتفسير مشكل إعراب القرآن ٢٣ /ب.
(٢) ب: «قرأ» ورجحت ما في: ص.
(٣) ب: ذكره. وتصويبه من: ص.
(٤) قوله: «فإنما ذلك» سقط من: ص.