للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشرك بالعظم، وهو شرب الخمر، لأنهما كبائر، والعظم والكبر سواء. ولمّا قالوا فيما هو دون الكبائر صغائر، وصغير وصغيرة وجب أن يقال في الكبائر كثير، لأن الكثير مقابل للقليل، والكبير مقابل للصغير. وقد وصف الله الإثم بالعظم في قوله: ﴿فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً﴾ «النساء ٤٨»، والكبر مقابل للعظم في المعنى. قال أبو محمد: القراءتان حسنتان متداخلتان، لأن القراءة بالثاء مراد بها العظم، ولا شك أن ما عظم فقد كثر، وقد كبر، والباء أحبّ إلي، لأن الجماعة عليه، ولقوله: ﴿حُوباً كَبِيراً﴾ «النساء ٢» والحوب الإثم (١)، فوصفه بالكبر. وقال تعالى: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾ «البقرة ٢١٧» والفتنة هنا الكفر والكفر يشتمل على كل الآثام. وقد وصفه بالكبر (٢)، وهو اختيار أبي حاتم وأبي طاهر وأبي عبيد، وبه قرأ الحسن وأبو رجاء والأعرج وأبو جعفر وشيبة ومجاهد وقتادة وابن أبي إسحاق، وعليه العامة.

«١٣٢» قوله: ﴿قُلِ الْعَفْوَ﴾ قرأه أبو عمرو بالرفع، ونصب الباقون.

«١٣٣» ووجه القراءة بالرفع أنه جعل «ما» و «ذا» اسمين، «ذا» بمعنى «الذي» و «ما» استفهام، تقديره: أي شيء الذي تنفقونه. ف «ما» مبتدأ و «الذي» خبره، فيجب أن يكون الجواب مرفوعا أيضا، من ابتداء وخبر، تقديره: الذي تنفقونه العفو. فيكون الجواب في الإعراب كالسؤال في الإعراب، والهاء محذوفة، من الصلة، في الجواب، أي: تنفقونه كذلك، هي مقدّرة محذوفة من الصلة (٣)، وهو مثل قوله: ﴿وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ «النحل ٢٤» تقديره: أي شيء الذي أنزله ربكم قالوا الذي أنزله أساطير الأولين. فأتى الجواب على نحو السؤال في الإعراب والإضمار،


(١) تفسير غريب القرآن ١١٨
(٢) زاد المسير ١/ ٢٤٠ وتفسير ابن كثير ١/ ٢٥٥، وتفسير النسفي ١/ ١٠٩
(٣) قوله: «أي تنفقونه .. من الصلة» سقط من: ص.