للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وشدّد بعضا فإنه جمع بين اللغتين، لاشتهارهما، مع نقله ذلك عن أئمته، وعلى ذلك أجمعوا على التشديد، فيما لم يمت، للجمع بين اللغتين. والتخفيف فيما مات، وما لم يمت جائز، وكذلك التخفيف والتشديد في «بلدة ميتا» يجوز (١).

«١٧» قوله: ﴿بِما وَضَعَتْ﴾ قرأه أبو بكر وابن عامر بضم التاء، وإسكان العين، وقرأ الباقون بفتح العين، وإسكان التاء.

«١٨» وحجة من ضمّ التاء أنه جعله من كلام أم مريم، لاتصال كلامها بما بعد ذلك، وما قبله في قولها: ﴿رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى﴾ وقولها: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى﴾، وقولها: ﴿وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ﴾، وقولها: ﴿وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ﴾، فكله من كلام أم مريم، فحمل وسط الكلام على أوله وعلى آخره، وذلك حسن في المطابقة والمجانسة، كما تقول: ربي قد أذنبت وأنتم أعلم بذلك، على طريق التسليم والخضوع. وفي القراءة بضم التاء معنى التعظيم لله، والخضوع والتنزيه له، أن يخفى عليه شيء، كأن أمّ مريم لمّا قالت ربّ إني وضعتها أنثى، أرادت أن تعظم الله، وتنزّهه عن (٢) أن يخفى عليه شيء (٢) فقالت: والله أعلم بما وضعت، لا يحتاج إلى أن تخبره بذلك، ولم تقل ذلك على طريق الإخبار، لأن علم الله بكل شيء قد تقرّر في أنفس المؤمنين، وإنما قالته على طريق التعظيم، والتنزيه لله، وذكره بما هو أهله.

«١٩» وحجة من قرأ بإسكان التاء أنه جعله من الله جلّ ذكره، والمعنى:

أن الله أعلمنا عن طريق التثبّت لنا، وقال: والله أعلم بما وضعت أمّ مريم، قالته أو لم تقله، ويقوّي ذلك أنه لو كان من قول أم مريم لكان وجه الكلام: وأنت أعلم بما وضعت، لأنها نادته في أول الكلام في قولها: «رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها»،


(١) كتاب سيبويه ٢/ ١٤٣، والإنصاف في مسائل الخلاف ٤٢٣، والحجة في القراءات السبع ٨٣، وزاد المسير ١/ ٣٦٩، وتفسير النسفي ١/ ١٥٢
(٢) ب: «على»، وقوله: «كان أم … شيء» سقط من: ص. فوجهته بما يلزم.