للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

النحل موضع وفي الأنبياء موضعان (١)، ووافقه حمزة والكسائي في الثاني من الأنبياء، ردّوه (٢) في هذه السورة على قوله: ﴿وَما أَرْسَلْنا﴾، فجرى الفعلان على الإخبار من الله جلّ ذكره عن نفسه بذلك، كما قال: ﴿إِنّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ﴾ «النساء ١٦٣». وقرأ الباقون بالياء وفتح الحاء، في الأربعة المواضع، ردّوه على لفظ «رجال» فأقيموا مقام الفاعل على ما لم يسمّ فاعله، كما قال:

﴿وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ﴾ «هود ٣٦» وقال: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ﴾ «الأنعام ١٩» (٣).

«٢٨» قوله: ﴿قَدْ كُذِبُوا﴾ قرأه الكوفيون بالتخفيف، وشدّد الباقون.

وحجة من شدّد أنه حمله على معنى أن الرسل تلقّاهم قومهم بالتكذيب، فالظن بمعنى اليقين، وفي «ظنوا» ضمير الرسل، فالهاء والميم في «أنهم» للرسل.

فعطفوه على «اِسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ» والتقدير: وأيقن الرسل أن قومهم قد كذبوهم فيما جاؤوهم به من عند الله جلّ ذكره، ودليله قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ﴾ «الأنعام ٣٤» وقوله: ﴿فَكَذَّبُوا رُسُلِي﴾ «سبأ ٤٥» وقوله: ﴿إِنْ كُلٌّ إِلاّ كَذَّبَ الرُّسُلَ﴾ «ص ١٤». وقد روي عن عائشة في هذه القراءة معنى غير ما ذكرناه، أنها قالت: لحق الرسل البلاء والضرر حتى ظنّوا أن المؤمنين بهم قد كذّبوهم لما لحق المؤمنين من الفتن على الإيمان (٤) فيكون الظن على هذا بمعنى الشك. والتقدير: وظن الرسل أن من آمن بهم قد كذّبوهم لما لحقهم من البلاء من الكفار.

«٢٩» وحجة من خفّف أنه حمله على معنى أن المرسل إليهم ظنوا أنهم قد كذبوا فيما أتتهم به الرسل، فالظن بمعنى الشك أو بمعنى اليقين، وفي «ظنوا» ضمير المرسل إليهم، والهاء والميم في «أنهم» للمرسل إليهم، أي: وظن المرسل إليهم أنهم لم يصدقوا فيما قيل لهم، وما توعدوا به من إتيان العذاب على كفرهم.


(١) أحرف هاتين السورتين هي: (آ ٤٣، ٧، ٢٥) وستأتي فيها كلا في سورته بأولهما.
(٢) ب، ر: «رده» وصوابه من: ص.
(٣) زاد المسير ٤/ ٢٩٥، وتفسير النسفي ٢/ ٢٤٠.
(٤) تفسير ابن كثير ٢/ ٤٩٧.