للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: ظنوا أنهم لم يصدقهم الرسل فيما أتوهم به من عند الله جلّ ذكره من إتيان العذاب إليهم، أو من الأمر بالإيمان والتوحيد جاءهم نصرنا، أي: جاء الرسل نصر الله على قومهم، وهو العذاب، ومعنى ذلك أن المرسل إليهم لمّا رأوا إمهال الله لهم بما توعّدهم به الرسل، إن لم يؤمنوا، شكّوا في صدق الرسل، وحسن أن يكون الضمير في «ظنوا» وفي «أنهم» للمرسل إليهم، ولم يجر لهم ذكر، لأن ذكر الرسل يدلّ على أن ثمّ مرسلا إليهم. وقوله: ﴿حَتّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ﴾ «١١٠» يدلّ على إياسهم من إتيان المرسل إليهم. ويجوز في هذه القراءة أن يكون الضمير في «ظنوا» وفي «أنهم» للرسل (١) مثل القراءة الأولى. والظن بمعنى اليقين، على معنى: فأيقن الرسل أنهم لم يصدقهم قومهم في وعدهم بقبول ما أتوهم به. وقد روي عن ابن عباس أنه قال: دخل الرسل الشك لمّا أبطأ عنها العذاب لقومها. وعنه أنه قال: ظن الرسل أنهم أخلفوا (٢) والظن بمعنى الشك في هذين القولين. دخل الرسل ما يدخل البشر، واستشهد ابن عباس على ذلك بقول إبراهيم: ﴿وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ «البقرة ٢٦٠» وبقول نوح: ﴿إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ﴾ «هود ٤٥» قال ابن عباس: كانوا بشرا، يعتريهم ما يعتري البشر من الشك. وقد قال عزير ﴿أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها﴾ «البقرة ٢٥٩» فاستبعد إحياء الله لبيت المقدس بعد خرابها. وقد روي عن عائشة أنها أنكرت القراءة بالتخفيف.

وقالت: معاذ الله، لم تكن الرسل لتظن ذلك بربّها، تريد: أن الرسل لا تشك في وعد الله ووعيده. وقالت: هم أتباع الرسل، طال عليهم البلاء، واستأخر عنهم النصر حتى ظن الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم. فالظن بمعنى الشك. والتشديد هو الاختيار، لما ذكرنا، ولأن الأكثر عليه (٣).


(١) ب: «المرسل» وتصويبه من: ص، ر.
(٢) تفسير ابن كثير ٢/ ٤٩٧.
(٣) الحجة في القراءات السبع ١٧٤، وزاد المسير ٤/ ٢٩٦، وتفسير ابن كثير ٢/ ٤٩٧، والكشف في نكت المعاني والإعراب ٧٢ /ب.