للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما ذكرنا، ممّا أجمعوا على ترك (١) الإشارة فيه إلى الأصل، فهذا باب يقوى به الفتح، فأما الإمالة ففيما يقوّي استعمالها، أنّ العرب قد تبقي في الكلمة المغيّرة ما يدلّ على أصلها، في كثير من كلامها، من ذلك أنهم أدغموا النون الساكنة والتنوين في الميم والنون، وحقّ الإدغام أن يذهب فيه لفظ الحرف الأول، فلم يجعلوا ذلك في هذا، وأبقوا الغنة تدلّ على الأصل، وهذا إجماع من العرب، ومن ذلك أنهم أدغموا الطاء الساكنة في التاء فأبقوا لفظ الإطباق، ليدلّ على الأصل، إجماع منهم في نحو قولك: أحطت، وفرّطت، وكذلك فعلوا بالقاف الساكنة، إذا أدغموها في الكاف، يبقون لفظ الإطباق، ليدلّ على الأصل في نحو قوله: ﴿أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ﴾ «المرسلات ٢٠» وشبهه، وكذلك فعل كثير منهم في الأفعال المعتلات الأعين من ذوات الواو، ومن ذوات الياء فيما لم يسمّ فاعله، إذا انكسر أولها للاعتلال، أبقوا الإشمام في أوائلها، ليدلّ على الأصل في نحو: قيل، وحيل، وغيض، وسيق، وشبهه، وكذلك فعلوا في الوقف على المتحرك، يبقون الإشمام والروم في أواخر الكلام المتحرك (٢)، ليدلّ ذلك على أنه أصله في الوصل، وهذا في كلامهم أكثر ممّا أصف به، يرغبون في أن يبقى في الكلام المغيّر ما يدلّ على الأصل، وعلى ذلك انفتح ما قبل واو الجمع عند كثير منهم، في نحو قولك: الموسون، والعيسون، وشبهه، لتدلّ الفتحة على الأصل، وينبيء عن حذف الألف بعدها، وهذا كثير في كلامهم، وكذلك فعل أصحاب الإمالة في: رمى، وسعى، واشترى، وهوى، وشبهه، أبقوا الإمالة لتدلّ على أصل الألف، وتنبئ أن أصلها الياء، فهما لغتان فاشيتان قويّتان في الاستعمال والقياس، والفتح الأصل لما ذكرنا، والإمالة فرع جار على الأصول، قويّ في القياس، فصيح في لسان العرب، غير مدفوع، فأما ما كان من ذوات الواو فبعيد إمالته، إذ لا أصل له في الياء، ينحى به إلى ذلك، والفتح أولى به.


(١) قوله: «الإشارة إلى … ترك» سقط من: ر.
(٢) ب: «الكلمة المتحرك»، ص: «المتحرك»، ر: «الكلام المتحركة» ووجهته من النسخ جميعا بما يقيم العبارة.