الحمد لله ربِّ العالَمين، إلَه الأوَّلِين والآخرين، خالقِ الخلقِ أجمعين، ومفضِّلِ بعضِهِم على بعضٍ في العقلِ والدِّين، وفي الفقرِ والغنى، وفي الضلالةِ والهدى، أَحْمَده على نِعمه المتضافرة، ومِنَنِه المتظاهرة، وآلائِه المتكاثرة، له الحمدُ على ما أَوْلَى وأَنْعَم، وأشهَدُ أن لا إله إلَّا الله وحدَه لا شريك له، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، خاتَمُ رُسلِه وأنبيائِه، ومُبَلِّغُ أحكامِه وأنبائِه، وعلى آله وأصحابه الناقِلين أقوالَه وأفعالَه، والتابعين لَهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فقد مَنَّ الله تعالى على أمَّة نبيِّه محمدٍ ﷺ بإكمال دينها، وإِتمَام نعمتِهِ عليها، بالإسلامِ الذي لا يَقبَلُ منها دِينًا سِواه، قال الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾.
ومِن فضل الله تعالى أيضًا على هذه الأمَّة أَن أَنزل عليها أفضلَ كتابٍ على أفضلِ رَسولٍ، كتابٌ فيه كلامُ ربِّ العالَمين وخالقِ الخَلقِ أجمعين، الذي هو خيرُ الكلامِ وأحْسَنُه وأصدَقُه، الذي لا يَأتيه الباطلُ من بين يديْه ولا من خلفِه، كتابٌ فيه نَبَأُ ما قَبلنا، وخَبَرُ ما بعدنا، وحُكم ما بيننا، هو الفَصْلُ لَيس بالهَزلِ، مَن تَرَكه مِن جَبَّارٍ قَصَمَه الله، ومَن ابْتَغَى الهُدَى فِي