للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُكلَّفوه، وشَغَلوا أنفسَهم بِما لَم يُتعبَّدوا به".

فلعلَّ مراد المصنِّف من هذه الفرقة المشبِّهة، الذين شبّهوا صفات الربِّ بصفات المخلوقين، وفسّروها على غير المراد منها، وشبّهوا صفة بصفة، أما السلف رضوان الله عليهم فإنهم أثبتوها على مراد الله تعالى، ولم يشبِّهوا صفة بصفة، يقول الخطيب البغدادي : "أما الكلام في الصفات، فإنَّ ما روي منها في السنن الصحاح، مذهبُ السلف رضوان الله عليهم إثباتها وإجراؤها على ظواهرها، ونفيُ الكيفية والتشبيه عنها، وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله سبحانه، وحققها قوم من المثبتين، فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف، والقصدُ إنما هو سلوك الطريقة المتوسّطة بين الأمرين، ودينُ الله تعالى بين الغالي فيه والمقصِّر عنه، والأصلُ في هذا أنَّ الكلام في الصفات فرعٌ على الكلام في الذات، ويُحتذى في ذلك حذوه ومثاله، فإذا كان معلومًا أنَّ إثبات ربِّ العالمين ﷿ إنّما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنَّما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف. فإذا قلنا: لله تعالى يدٌ وسمعٌ وبصرٌ، فإنَّما هي إثباتُ صفاتٌ أثبتها الله لنفسه، ولا نقول: إنَّ معنى اليد القدرة، ولا إنَّ معنى السمع والبصر العلم، ولا نقول: إنَّها جوارح أو أدوات، ولا نشبّهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارحُ وأدوات للفعل، ونقول: إنَّما وجب إثباتها؛ لأنَّ التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها لقوله : ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾، ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤)(١).


(١) جواب أبي بكر الخطيب عن سؤال بعض أهل دمشق (ص: ٦٤ - ٦٥). وانظر: سير أعلام النبلاء (١٨/ ٢٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>