وكيف لا وهو خلاصة العقود والفرائد، وخاتمة هؤلاء الأدباء الذين جعلهم الله في عصر واحد. إذ هو إمامهم في جامع البيان ورئيسهم في الأدب الذي لم يكن له ثان.
أخذ الأدب المعجز بعنانه. ونفث السحر من قلمه وبنانه.
فنظمه جري بلا مثال سابق، ونثره حري بالقبول كاللؤلؤ المتناسق. له سهام أدب يعضده الرضاء، وحسام كمال لا يخونه المضاء. ترنو البلاغة من احداقه. وتدفق الفصاحة من بين أشداقه له صدر النادي في الانشاء والقريض، وكرسي الوعظ في زهر البراعة المريض. فالأدب مشغوف بلسانه، والكمال موقوف على تقريره وبيانه. فهو من حين ما بدر هلاله، أربى على انهلال السحب انهلاله.
وأيامه كالشمس فهي مضيئة ... وأعوامه في الحسن أبهى من البدر
وما قيل إجمال لبعض صفاته ... ولا يمكن التفصيل بالنظم والنثر
فمجمر طبعه على الدوام يفوح منه نظم المسك والند، ويضوع في كل ناحية من فريضة العرار والرند. تظن سوق الطيب تحت ردائه العطر. فهو العنبر الأغبر والمسك الازفر ولا فخر.
فقد أوردت من شعره الصاف. ومن عقود نظمه الرائق الشفاف وقد أثبت منه ما هو لهذه الرسالة، كالبدر في السماء الصاحية والغزالة. فمن ذلك قوله:
بطيبة طابت نفسنا من سقامها ... وهل مثلها في سائر الكون يوجد
فما تربها إلا شفاء قلوبنا ... وكيف ولا نشفى وفيها محمد