للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن التصريح بالشهادة غاية ما فيه المنع من قبول الإخبار بالمفهوم، وحديثا ابن عمر والأعرابي يدلان على قبوله بالمنطوق؛ ودلالة المنطوق أرجح من دلالة المفهوم.

ثانيا: ولأن قياس رؤية الهلال على الشهادة على سائر الحقوق بعيد؛ لأن الشهادة على الحقوق إنما اشترط لها لفظ الشهادة والعدد لاعتبارات أخرى ليست موجودة في من يخبر بأنه رأى هلال رمضان؛ كالتهمة وغير ذلك (١).

قال القَرافِي (٢): "ووجه المناسبة بين الشهادة واشتراط العدد حينئذ وبقية الشروط: أن إلزام المعين تتوقع فيه عداوة باطنية لم يطلع عليها الحاكم، فتبعث العدو على إلزام عدوه ما لم يكن لازما له، فاحتاط الشارع لذلك واشترط معه آخر إبعادا لهذا الاحتمال، فإذا اتفقا في المقال قَرُب الصدق جدا بخلاف الواحد" (٣).

فيكون تشبيه الرائي بالراوي هو أمثل من تشبيهه بالشاهد؛ لأنه ليس في رؤية القمر شبهة من مخالف (٤).

ثالثا: ولأن الخبر إما أن يُقصَد به أن يترتب عليه (فَصْل قضاء) (٥) (وإِبْرام حكم) (٦) أو لا، فإن قصد به ذلك فهو الشهادة، وإن لم يقصد به ذلك: فإما أن يقصد به ترتب دليل حكم شرعي أو لا، فإن قصد به ذلك فهو الرواية، وإلا فهو سائر أنواع الخبر (٧). والله أعلم.


(١) ينظر: شرح عمدة الفقه كتاب الصيام ١/ ١٣٨.
(٢) هو: شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن، أبو العباس القرافي, أصله من صنهاجة قبيلة من بربر المغرب, ونسبته إلى القرافة وهي المحلة المجاورة لقبر الإمام الشافعي بالقاهرة, انتهت إليه رياسة الفقه على مذهب مالك, توفي بمصر سنة ٦٨٤ هـ, من تصانيفه: الفروق في القواعد الفقهية؛ والذخيرة في الفقه؛ وشرح تنقيح الفصول في الأصول. ينظر: شجرة النور ١/ ٢٧٠؛ الديباج ص ٦٢, الأعلام ١/ ٩٤.
(٣) الفروق ١/ ٦.
(٤) ينظر: بداية المجتهد ٢/ ٤٩.
(٥) الفصل هو: القضاء بين الحق والباطل. والمقصود بفصل القضاء: هو الحكم الذي يقطع به القاضي عند التخاصم. ينظر: لسان العرب ١١/ ٥٢١، طلبة الطلبة ٢١٤٤.
(٦) إبرام الحكم: الإبرام في اللغة هو: عقد الشي. والحكم فِي اللُّغَة: الْمَنْع, ويطلق الحكم بمعنى القضاء، وفيه معنى المنع, وهو المقصود هنا. والحكم عند أَصْحَاب الْأصول: خطاب الله الْمُتَعَلّق بِأَفْعَال الْمُكَلّفين بالاقتضاء أَو التَّخْيِير. ينظر: لسان العرب ٣/ ٢٩٨، الكليات ص ٣٨٠، أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله ص ٢٤.
(٧) ينظر: حاشية ابن الشاط على الفروق ١/ ٦.

<<  <   >  >>